البحث التدخلي آلية من آليات حل المشكلات التربوية وتطوير الممارسات التدريسية
الدكتور إبراهيم التركي
” البحث التدخلي آلية من آليات حل المشكلات التربوية وتطوير الممارسات التدريسية “
الدكتور إبراهيم التركي
أعـد التقريـر:
ذ. زايد نورالدين
في إطار فعاليات برنامج الدورة التكوينية في مناهج البحث العلمي والتربوي في نسختها الثانية، التي تنظمها أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية كان موعد الأساتذة والطلبة الباحثين مع محاضرة تكوينية قدمها فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم التركي [1] في موضوع: ” البحث التدخلي آلية من آليات حل المشكلات التربوية وتطوير الممارسات التدريسية “، وذلك يوم الجمعة 23 رمضان 1444هـ الموافق ل 14 أبريل 2023م، عبر تقنية التناظر عن بعد .
اسْتُهِلَّت المحاضرة بتلاوة عطرة لآيات بينات من الذكر الحكيم للدكتور خالد البورقادي، و بكلمة للمسير الدكتور بوسيف المحجوب رحّب فيها بالمحاضر وبالحضور الكرام، وشكر أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية على ما تبذله من جهد في سبيل إشاعة روح البحث العلمي والمعرفة لتذليل العقبات التي تعترض مسارالطلبة الباحثين ، وفي ختام كلمته وقف مع جوانب من سيرة المحاضر الدكتور إبراهيم التركي الذي تناول موضوع المحاضرة بالدرس والتحليل من خلال مقدمة وستة محاور:
حيث أبرز في مقدمة عرضه جوانب من أهمية البحث التدخلي في حل المشكلات التربوية التي تعترض المدرسين خلال ممارستهم اليومية مع بيان أهم أهدافه والممتثلة أساسا في بلوغ حقائق بحثية جديدة واستباقية ذات طابع علمي قبل وقوع المشاكل من أجل تحسين الممارسة التربوية والمهنية…
المحور الأول : البحث التربوي التدخلي (تعريفه، أهدافه، وخصوصياته)
بيّن المحاضر في هذا المحور مفهوم البحث التدخلي من خلال إبراز أهم أهدافه وخصائصه ومميزاته التي تميزه عن باقي الأنواع الأخرى من البحوث و تساعد على تحديد هوية البحث التربوي التدخلي من قبيل:
-
أنه عبارة عن بحث إجرائي تطبيقي تجريبي.
-
يخضع لآليات ومناهج البحث العلمي المتعارف عليها في الأوساط الأكاديمية.
-
يعالج مشكلة تربوية حقيقية قابلة للحل شعُر بها الباحث أثناء الممارسة المهنية.
-
الممارس هو نفسه الباحث الذي يقوم بدراسة المشكلة.
-
يوفر إمكانية التطبيق الفوري لنتائج البحث.
المحور الثاني : مفهوم المدرس الباحث
أبرز من خلاله أن المدرس الباحث هو الذي ينجز البحث التدخلي، ويجعل منه منهجية عمل من أجل تحسين وتطوير الممارسات التربوية والمهنية، مؤكدا على أن هذا هو السبيل الأنجع لتجاوز المشكلات التي تعترض الممارسين التربويين، الذين وجب أن تتوفر فيهم مجموعة من المواصفات التي تؤهلهم للقيام بهذه المهمة على رأسها التكوين العلمي المستمر، والإبداع والانفتاح على تجارب الآخرين والمشاركة في الملتقيات العلمية .
في هذا السياق، عرّج المحاضر على مفهوم آخر يرتبط بالمدرس الباحث وهو مفهوم التدريس التأملي الذي يسعى بدوره إلى تعزيز وتطوير قدرات ومهارات المدرس في مجال البحث والتحليل وفق ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: يكون المدرس منفذا وفيا للتوجيهات والإجراءات التي تصدر عن السلطة التربوية الوصية وما تعلمه أثناء مرحلة التكوين الأساس.
المرحلة الثانية: بعد ذلك يتحول إلى فاعل مجرب لتلك التوجيهات باعتبارها أفكارا قابلة للملاحظة والتعديل.
المرحلة الثالثة :يتحول المدرس إلى مرحلة إعمال الفكر والنقد والتأمل المتبصر الذي ينتج معرفة جديدة تستهدف تغيير واقع سيء وغير مرغوب في استمراره إلى واقع أفضل.
المحور الثالث : المشكلة في البحث التربوي وخطواتها ومواصفاتها
أبرز الأستاذ المحاضر في هذه النقطة مفهوم المشكلة، باعتباره أمر يصعب تفسيره والتعامل معه نظرا لكونه غير معتاد ويشكل عائقا أمام السير العادي للممارسة التربوية ؛ كما أنه لا يمكن تصور البحث التدخلي بدون مشكلة تربوية فعلية ومحسوسة، تترجم في صورة تساؤلات وفرضيات، ليخلص في الأخير إلى أن تحديد مشكلة البحث، والتأكد من وجودها من أبرز المراحل التي وجب أن يهتم بها المدرس الباحث .
وبخصوص طبيعة المشكلة؛ أوضح المحاضر أن البحث التربوي التدخلي يعالج مشكلة فعلية محسوسة في بيئة تعليمية معينة، قد تكون مرتبطة بمدرس واحد يشعر بالمشكلة، وقد تكون فردية تشكل مصدر قلق لمدرس واحد أو مشكلة تؤرق العديد من المدرسين في مؤسسة تعليمية أو في عدة مؤسسات وقد تكون المشكلة، قضية تربوية مجتمعية عامة تتعلق بسياسة تربوية أو بنية المؤسسة.
وفي ختام هذا المحور؛ أكد الدكتور إبراهيم التركي على ضرورة تحديد المشكلة المدروسة بشكل دقيق، وتحديد الغاية من دراستها من أجل التمكن من تحقيق الأهداف المنشودة والوقوف عند أهمية نتائج الدراسة، مبرزا أن محطة بناء المشكلة تعد أهم مراحل البحث التربوي التدخلي، لينتقل المدرس الباحث بعد التأمل والتفكير في المشكلة إلى مرحلة كتابة المشكلة ، وصياغتها في صيغة سؤال إشكالي، والإجابة عنه في ثنايا البحث عبر المراحل التالية:
” يبدأ الباحث بتحديد المشكلة المدروسة، ومعرفتها معرفة جيدة انطلاقا من الأدبيات والدراسات السابقة، وجمع بياناتها وتحليل وتفسير هذه البيانات، وطرح التساؤلات حولها بعد التأكد من وجودها والجدوى من دراستها، ووضع الفرضيات المحتملة لحلها ثم تطوير خطة عمل لمعالجتها وأخيرا الوصول إلى مرحلة تعديل الممارسة بناء على النتائج المحصلة”
وللنجاح في بلوغ هذه الغاية ذكر الأستاذ إبراهيم التركي مجموعة من المعايير التي وجب استحضارها عند صياغة المشكلة منها :
-
أن تكون المشكلة المدروسة مشكلة مهنية حقيقية وواقعية، تعكس الصعوبات التي تعترض سير الممارسة المهنية، ويتوقف على حلها تيسير ظروف العمل وتطويره وتحسينه.
-
أن يشعر الباحث بخطورة الآثار السلبية لاستمرار المشكلة على مردودية المتعلمين وأن يهتم بإيجاد حل لها.
-
أن تكون مشكلة خاصة ومحددة في الزمان والمكان، ويكون الغرض من دراستها تغيير واقع غير مريح وغير سليم إلى واقع أفضل.
-
أن يتمكن الباحث من تحديد المشكلة التي يرغب في دراستها بدقة وصياغتها بشكل جيد وواضح.
-
أن تكون قابلة للحل في حدود الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة.
-
أن يضع خطة مرنة لحلها، وأن يتبنى أكثر من منهج وطريقة في تنفيذها مع طرح إمكانية التعديل.
-
أن تكون النتائج قابلة للتطبيق الفوري من قبل المدرس نفسه وعلى الفئة المستهدفة.
المحور الرابع : الخطوات المنهجية للبحث التدخلي :
تعد صياغة الفرضية حسب ما أكد عليه الدكتور المحاضر، أولى الخطوات المنهجية للبحث التدخلي، والتي هي عبارة عن تخمين علمي أو حكم مسبق يتم قبوله أو رفضه بناء على نتائج الدراسة، حيث تتطلب صياغتها الالتزام بجملة من المبادئ من قبيل :
-
أن تعبر عن المتغير المستقل وعن المتغير التابع.
-
أن تكون قابلة للاختبار والتجريب والتحقق.
-
أن تقبل مفرداتها التفكيك إلى مؤشرات قابلة للقياس والتقويم .
بعد صياغة الفرضيات، يرى المحاضر أنه يتعين على الباحث اقتراح حلول أولية لمشكلة البحث، وإعداد خطة محكمة للتدخل والتي ينبغي أن تتضمن جملة من المؤشرات الضابطة من أجل تنفيذ الحلول المنتقاة، من قبيل وضوح الأهداف وضبط الإمكانيات والوسائل المتاحة واختيار الطرق والوسائل المناسبة والفعالة، كما يجب على الباحث تسجيل كافة الخطوات والتفاصيل المرافقة لعملية تنفيذ خطة البحث، والتي تعد بمثابة دليل للباحث لتحقيق الأهداف المرجوة من البحث.
وفي ختام هذا المحور، عرج الدكتور إبراهيم التركي على أهم الشروط والآليات التي يجب توفرها لضمان الإعداد الجيد والمحكم للخطة التدخلية منها : توفير مستلزمات العمل، وتحديد الطرائق والأساليب المتبعة، والأدوات المناسبة لجمع المعلومات وتصنيفها وتفسيرها وتحليلها، مع اختيار طرق القياس والتقويم، وضبط مراحل التطبيق ومدته.
المحور الخامس: مناقشة النتائج وتحليلها وتفسيرها :
أبرز المحاضر عبر هذا المحور، أهمية النتائج المحصل عليها في البحث التدخلي، لكونها تمثل نقطة انفراد وتميز البحث عن غيره من البحوث التي قدمت في نفس الموضوع، لذا وجب على الباحث أن يخصص فصلا مستقلا بمواصفات علمية ومنهجية دقيقة لمناقشة النتائج وتحليلها وتفسيرها، حيث يعمل على مناقشة البيانات المطلوبة للإجابة عن أسئلة البحث وفحص الفرضيات من خلال تصنيف البيانات المحصل عليها إلى نوعين : كمية وتعنى أساسا بالأرقام والتكرارات من خلال اعتماد المنهج الوصفي، ونوعية ذات طبيعة وصفية تحليلية من خلال اعتماد المنهج الاستقرائي.
كما نبّه إلى أن عملية تحليل البيانات الكمية تبدأ مباشرة بعد جمعها، بينما البيانات النوعية فتبدأ عملية تحليلها بعد جمع البيانات وتستمر معها، بعد ذلك تأتي مرحلة تفسير ما تنطوي عليه هذه النتائج من مضمون معرفي والتعليق عليها في علاقتها بالأهداف المنشودة والفرضيات الموضوعة، وما تفرع عنها من أسئلة ومقارنتها بالدراسات السابقة مع الكشف عن الإجابة عن أسئلة البحث، ليخلص إلى قبول فرضياته من عدمه، ويقف في الأخير على ما أحدثته نتائج البحث من تحسين وتطوير على مستوى الممارسة الصفية، وعلى مستوى تفاعل المتعلمين ومدى الرفع من مردوديتهم من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة من قبيل :
إلى أي حد تمكن البيانات المحصل عليها من الإجابة عن السؤال الرئيس للبحث وأسئلته الفرعية ؟ إلى أي حد كانت أساليب تحليل البيانات مناسبة وملائمة لمعالجة المشكلة المدروسة؟ وغيرها من الأسئلة التي تسهم في تعزيز عملية التأمل في النتائج المتوصل إليها.
المحور السادس : تقويم وتعديل الممارسة
خلص الدكتور إبراهيم التركي من خلال هذا المحور، إلى أن الهدف الرئيس من تحليل نتائج البحث، هو العمل على تقويم وتعديل الممارسة المهنية إلى الأفضل والأجود؛ حيث يقوم المدرس الباحث بتقويم نتائج تدخله، وتحديد مدى التمكن من بلوغ الأهداف المسطرة والتأمل في كفية تأثير هذه النتائج على ممارسته التعليمية، ورصد انعكاسات ذلك على مستوى وجودة التعلمات، فإذا لاحظ تقدما وتحسنا في الممارسة فإن ذلك بمثابة مؤشرات على حل المشكلة، وإذا لم يسجل المدرس الباحث أي تحسن ولم يحقق الأهداف المرجوة يتطلب منه الأمر على وجه الاستعجال مراجعة الموقف من خلال بناء خطة جديدة، والشروع في تنفيذ إجراءات التدخل مرة أخرى تفاديا لتفاقم المشكل حتى لا يتحول إلى عائق أمام سير العملية التعليمية التعلمية.
هذا وفي ختام المحاضرة القيمة، ختم الأستاذ المحاضر مداخلته بخلاصة حول البحث التدخلي من أهم ما جاء فيها : أن البحث التدخلي هو عبارة عن بحث مهني، يقوم به المدرس الباحث الذي يشعر بمشكلة عليه وعلى ممارسته التعليمية ، وتخلق له نوعا من التوتر والقلق، فيلجأ إلى دراسة هذه المشكلة، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات واقتراح الحلول لمعالجتها، بوضع خطة تدخلية محكمة وتنفيذها عبر مجموعة من الخطوات المنهجية والمراحل الضرورية.
بعد ذلك تناول المسير الكلمة مجددا الشكر للأستاذ المحاضر على عرضه القيم المثمر، فاتحا المجال للحضور الكرام للتفاعل مع ما جاء في المداخلة من محاور وأفكار ووجهات النظر، حيث تميزت أسئلة الباحثين والباحثات من داخل المغرب وخارجه بالتعدد والتنوع.
ومن جملة الأسئلة التي تفاعل معها المحاضر نذكرعلى سبيل المثال لا الحصر:
-
سؤال حول موضوع وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على المتعلمين هل يمكن أن يكون مشكلة لبحث تدخلي؟ فكان الجواب بالإيجاب شريطة إجراء التدخل وفق الإجراءات والخطوات والضوابط التي ذكرت في المحاضرة.
-
سؤال آخر حول هل إمكانية تنفيذ واستثمار نتائج البحوث التدخلية؛ فكان جواب المحاضر بأن المئات من البحوث تنجز سنويا خاصة من طرف الأساتذة المتدربين، لكن للأسف لا يتم استثمار هذه البحوث بحيث أنه تنتهي علاقة الأستاذ المتدرب بالبحث التدخلي بمجرد مناقشته والحصول على النقطة والتخرج من المركز. لكن ما يجب أن يكون هو أن يتبنى الأساتذة بعد تخرجهم البحث التدخلي كفلسفة في ممارساتهم التدريسية وأن تستمر معهم هذه الفلسفة طيلة مسارهم المهني.
-
وبخصوص سؤال حول كيفية التشجيع على البحوث التدخلية واستثمارها. إقترح الدكتور إبراهيم التركي أن تنظم مسابقات حول أجود البحوث التدخلية، بالإضافة إلى نشرها في مجلات ودوريات خاصة حتى تعطى لها قيمتها التي تستحقها.
-
وعن السؤال المتعلق بأنماط البحوث التدخلية، وضح الدكتور إبراهيم التركي أن هناك عدة أنماط من البحوث التدخلية من قبيل البحث الفردي، والبحث الجماعي الذي يقوم به مجموعة من الأساتذة الذين يعانون من نفس المشكلة.