المنهاج التربوي عند الإمام القابسي قراءة في الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين

المنهاج التربوي عند الإمام القابسي

0 99

المنهاج التربوي عند الإمام القابسي

قراءة في الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين

د. حميــد مسرار

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد، فقد ظل البحث والاجتهاد لاستخلاص ملامح نظرية تربوية تستند إلى أسس إسلامية الشغل الشاغل لعلماء التربية المسلمين، لتأكيد هويتهم فى واقع الحياة، واسترداد ريادتهم للبشر. من هنا كان الاهتمام بمنهاج تربوي صالح للبيئة المجتمعية وقادر على تربية النشء أحسن تربية من السبل التي قد تنقل المجتمع من حال إلى حال ومن درجة إلى أخرى، ذلك بأن وظيفة المنهاج التربوي تتمثل في غرس العقائد والمبادئ والأفكار في نفوس المتعلمين وتعويدهم على السلوك القويم، واتخاذ القرارات المدروسة على ضوء هذه العقائد والمبادئ والأفكار.

ولما كان البحث عن عناصر المنهاج من خلال ما كتب في التراث الإسلامي من أهم ما يجب أن تولى له العناية، اخترت الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين و أحكام المعلمين والمتعلمين للقابسي لنكشف عما تكتنزه من عناصر المنهاج التربوي ونبين بعض القضايا التربوية التي تزخر بها .

أهمية الموضوع

  • تنشد الدراسة إلقاء الضوء على تراث الأمة التربوي في القرن الرابع الهجري .
  • تسعى الدراسة إلى الكشف عن بعض القضايا  التربوية المتجددة التي تزخر بها  رسالة القابسي
  • تهدف الدراسة كذلك إلى البحث عن طرق تدريس القران الكريم انطلاقا من التراث.
  • تسعى الدراسة لإثبات أهمية تعليم القران في مراحل التعليم الأولي

أهداف البحث

  • بيان كيفية بناء شخصية المتعلم  المتوازنة انطلاقا من حفظ كتاب الله تعالى .
  • بيان أحكام المعلمين في القرن الرابع .
  • بيان عناصر المنهاج التربوي المكتنز في الرسالة المفصلة

الدراسات السابقة 

كتبت حول الرسالة المفصلة للقابسي  بحوث كثيرة نذكر من بينها ما يلي :

  • التربية في الإسلام: الأهواني

عرف الباحث بصاحب الرسالة المفصلة وذكر سياقها، كما بين أسس التربية والتعليم عند القابسي،  وانتقد بعض المسائل التربوية التي اعتمد عليها .

  • أبو الحسن القابسي ودوره في صياغة نماذج تربوية نهضوية لمحمد حسن جرادات ومحمد عيسى الطيطي

ناقش الباحثان الآراء التربوية للقابسي ومدى التوافق بينها وبين نظريات التعلم الحديثة وبينا أن إجبارية التعليم والعلاقات الأفقية يين التلاميذ واعتبار الفروق الفردية  وارتباط العلم بالعمل من أهم الأمور التي تناسب النظريات الحديثة .

  • الفكر التربوي عند القابسي د أمقران يسلي

كشف الباحث في مقاله عن بعض الأفكار التربوية التي جاء بها القابسي والتي يمكن إجمالها في ما يلي :

  • بيان الدور التربوي للأسرة والحاجة لمؤسسة نظامية ومفهوم الالزام.
  • ضرورة التفرغ للأطفال ووجوب تعليم البنات وتخصيص أجرة المعلم.
  • عناصر المنهج الدراسي تتمثل في الاستشهاد بالكتاب والسنة.
  • المبادئ الأساسية في التكوين الديني والخلقي ترتكز على الايمان والإسلام.
  • مسؤولية الدولة في التعليم تتجلى من خلال التوجيه والمراقبة.
  • الفكر التربوي عند القابسي بحث ماستر للطالبة سميحة بلعمري جامعة المسيلة الجزائر

أكدت الباحثة أن منهج القابسي في التربية لا يخرج عن منهج المالكية ثم تحدثت عن المؤسسات التعليمية في ذلك العصر وأشارت إلى دور الكتاب والمسجد والأسرة والمدرسة.

ومهما يكن من أهمية للبحوث التي أنجزت حول القابسي، فالذي نريد مناقشته في هذا البحث هو مدى التزام القابسي في رسالته بمعالم المنهاج التربوي وعناصره، إشكالية يتفرع عنها مجموعة من الأسئلة الفرعية:

  • هل وضع القابسي في رسالته خيارات تربوية تساعد المتعلمين على نمو شخصيتهم ؟
  • ما الأسس التي يقوم عليها المنهج عند القابسي؟
  • ما المرجعية النظرية للمنهاج عند القابسي ؟
  • هل يستطيع المنهاج التربوي عند القابسي أن يعالج بعض الاختلالات التي تعاني منه المدرسة المعاصرة؟

إن  الإجابة عن هذه الأسئلة سيمكننا من الكشف عن منهج القابسي في رسالته، بل من معرفة مدى صلاحيته  للبيئة التي نشأ فيها وعن امتداداته في واقعنا المعاصر .

خطة البحث

لأجل مناقشة هذا البحث نقسمه إلى ثلاثة مباحث :

المبحث الأول :مقدمات حول المنهاج والرسالة المفصلة

المحور الثاني :عناصر المنهاج من خلال الرسالة المفصلة

المبحث الثالث :قضايا المنهاج من خلال الرسالة المفصلة

المبحث الأول :مقدمات حول المنهاج التربوي والرسالة المفصلة

المطلب الأول :المنهاج التربوي :تعريفه عناصره وأنواعه

1-تعريفه

  • المنهاج :

يختلف تعريف المنهاج التربوي بحسب تقسيمه الى منهاج تقليدي ومنهاج حديث،فيعرف الأول : بكونه مجموع المعارف والمعلومات (الحقائق –المفاهيم القوانين-النظريات) التي تقدمها المدرسة (أو الجامعة )للطلاب بهدف إعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم وذلك عن طريق الإلمام بالآخرين والإفادة منها [1] وعلى هذا الأساس فالمنهج مرادف للمحتوى أو البرنامج الدراسي ،ويعرف الثاني بأنه : التخطيط الدقيق المتكامل الذي يرسم الاتجاه التعليمي العام ،وهو يشمل الغايات والمرامي والأهداف التي تترجم إلى مضامين ومقررات ،مع تحديد استراتيجيات التعلم وطرقه ووسائله [2] وفي ذلك إشارة إلى أن المنهاج يهتم بالغايات والبرامج والزمن وغيرها .

  • عناصر المنهاج :

يشكل المنهاج عبارة او صياغة لتوقعات التكوين التي تشمل ما يلي:

  • تعريف المجتمع المستهدف
  • الغايات
  •  الأهداف
  • المحتويات
  • وصف نظام التكوين
  • تخطيط الأنشطة

الآثار المتوقعة المرتبطة بتعديل مواقف وتصرفات الافراد المستهدفين بالتكوين .[3]

فهو إذن خطة مستقبلية تتضمن الغايات والمقاصد والأهداف المقصودة والمضامين والأنشطة التعليمية وكذا الأدوات الديداكتيكية، ثم طرق التعليم وأساليب التقييم، فهو مصاغ أيضا باعتباره خطة عمل أوسع من برنامج تعليمي، ويتضمن أكثر من برنامج في نفس الوقت .

ج- أنواع المنهاج التربوي

يميز بيرينو Perrenoud بين ثلاثة أنماط من المناهج هي:

  • منهاج صریح و موجه: و هو الذي يكون محدد الصياغة.
  • منهاج واقعي:  و يشكل المرجعية أو الصياغة المبينة لتجارب و خبرات التلاميذ.
  • منهاج ضمني :يشكل مجموعة التجارب  الخبرات المساهمة في التكوين إلا أنها تكون مع ذلك غير قابلة للملاحظة [4]

ويعرف المنهاج الخفي أو المستتر بأنه ” نتائج أو تأثيرات – غير أكاديمية – ذات أهمية تربوية بالغة، يحدثها التعليم المدرسي بطريقة منتظمة، ولكنها لا تكون صريحة أو معلنة في أي من مستوياتها، بصورة تيسر لعامة الناس فهمها و معرفة مسوغاتها… إن المصطلح يشير بوجه عام إلى وظيفة الضبط الاجتماعي الذي تمارسه مؤسسات التعليم”

“إن الحديث عن المنهاج المستتر يؤدي إلى توضيح مکمن إدماج كل برنامج تعليمي لمقصدية تربوية أوسع، و من دون الإيحاء بان بعض العناصر يتم حجبها لغرض مقصود، و بالمقابل فإن أهم ما في تحاليل المنهاج، يعانق نظريات التناسب، و ذلك في المنحى الذي يفيد بان المواقف الملقنة من قبل المدرسة يفترض فيها أن توافق حاجيات المجتمع”

المطلب الثاني – الرسالة المفصلة لأحوال متعلمين واحكام  المعلمين والمتعلمين : صاحبها  سياقها توصيفها

  • صاحبها 

أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القروي المعروف بابن القابسي ،إمام في الحديث ومتونه وأسانيده وكل ما يتعلق به، فقيه شيخ المالكية صالح ورع تقي وكان ضريرا [5]وكانت ولادته يوم الاثنين لست مضين من رجب سنة أربع وعشرين وثلاثمئة وتوفي سنة أربع مئة وثلاثة [6]

  • سياقها

إن قراءة رسالة موجهة للمتعلمين والمعلمين يحتاج لاستحضار جميع السياقات والظروف التي كتبت فيها، وذلك لمعرفة أهدافها وسبب توجيهها في هذه الفترة، بل من معرفة أثرها في الواقع الاجتماعي الذي جاءت فيه ،وعليه يمكن إجمال أهم السياقات التي كتبت فيه الرسالة في الأمور التالية [7]:

  • السياق الديني 

كتبت الرسالة في وقت اتسمت فيه الخلافة الفاطمية على الصعيد الديني بسياسة ثابتة، اتسمت بجانب من المرونة، تمثلت في استمالة أهل السنة و الجماعة، وتمكينهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم، و كانت المذاهب السنية المعروفة، الشافعي و مالك و أحمد (بخلاف أبي حنيفة) ظاهرة الشعائر في مملكتهم، و كان مذهب مالك بالأخص ذائعا، و من سأل الحكم به أجيب إلى طلبه. كما كانت الدولة الفاطمية أشد الدول الإسلامية حرصا على أن تطبع الشعب والمجتمع بطابعها الخاص، و أن تصوغ روح الشعب و عقليته و تفكيره و برامجه وفقا لمناهجها و رسومها.

  • السياق الاجتماعي

عرفت البيئة الاجتماعية في المغرب عموما في القرن الرابع، بأنها بيئة دينية بعيدة عن الروح المادية والنزعة الإلحادية، انتقل فيها  فعل التربية من دائرة الأسرة إلى دائرة مؤسسات مجتمعية، كالمسجد التي بلغت في حاضرة القيروان نحو ثالثمائة،و الكتاتيب  التي انتشرت في كل درب من الدروب أو حي من الأحياء ،كما اتخذ المؤدبون من التعليم حرفة يكسبون بها قوتهم، و يتحصلون  بها على الهدايا إذا بلغ التلميذ مرحلة الاتقان، وعرفت هذه المكافأة باسم الحذقة.

  • السياق الثقافي

وضع الفاطميون منذ الساعة الأولى لحكمهم خطة تقوم على قواعد ثابتة من العلم والمعرفة، وسياسة تعليمية شاملة ترتكز على إنشاء جامعة كبرى، ثم تفريغ العلماء للعلم، وأرسلوا يستدعون العلمــاء من الخارج وقد اشتــد هذا المــنهج واتسع وقوي بعد إقامة الوحدة بضم البلاد الأخرى إلى مصر، وإنشاء القاهرة واقامة الأزهر. لذلك يعتبر العصر عصر علم ومعرفة.

  • السياق السياسي

عرفت القيروان في ذلك الوقت حكم الفاطميين التي تعتبر خلافة مذهبية (شيعية) شعارها الإمامة الدينية، وكان لهذه الصفة المذهبية أثرها في صوغ كثير من النظم والرسوم التي اختصت بها.

  • توصيفها

للرسالة ثلاثة أبواب:

الباب الأول :وهو في تفسير صفة الايمان والإسلام والإحسان والاستقامة وصفة الصلاح

الباب الثاني :تحدث فيه عن ما كان يشغل بال مخاطبه فيما يأخذه المعلمون على المتعلمين وما يصلح ان يعلم للصبيان مع القران ،وما على المعلم أن  يعلمهم إياه من سائر مصالحهم ،وما لا ينبغي ان يعلمهم ثم يذكر

الباب الثالث :تحدث فيه عن التفاصيل التشريعية والمهنية المتعلقة بإجارة المعلم والهدايا المباحة ومبادئ تربوية تتعلق بالعقوبة بالكتاتيب بإفريقية

وفي ختام الرسالة نجد بحثا في القراءات القرآنية

المبحث الثاني :عناصر المنهاج من خلال الرسالة المفصلة

سبقت الإشارة إلى أن المنهاج التربوي يشمل الغايات والمقاصد والأهداف والمضامين والأنشطة التعليمية وكذا الأدوات الديداكتيكية، ثم طرق التعليم وأساليب التقييم ،وبناء عليه سنقف عند  كل عنصر من عناصر المنهاج التي تكتنزها  الرسالة المفصلة لنبين مدى حضورها ونكشف عن حجم وزنها .

1- الأهداف التربوية من خلال الرسالة المفصلة:

تحدث القابسي في مقدمة رسالته عن الايمان والإسلام والإحسان والاستقامة والصلاح وعن فضل تعلم القران ،وفي ذلك دلالة واضحة على أن ما سيأتي بعده من أحكام للمعلمين والمتعلمين وأحوال تخص المتعلمين إنما القصد منها هو تحصيل تلك الأهداف التي يمكن تصنيفها إلى نفسية وعقلية وسلوكية واجتماعية .

أ- الأهداف النفسية :بين القابسي بأن الايمان محل صحته التصديق فيما عقد عليه القلب واطمأن إليه،فهو عملية قلبية تمكن صاحبها من طاقة نفسية وثبات نفسي تجعله يؤمن بكثير من الغيبيات ،بل يراقب الله تعالى في كل ما يقدم عليه من التصرفات والسلوكات،لذلك كان الهدف من تعليم الصبيان القران تحقيق الايمان ،بل تكوين  الضمير الديني الذي هو أساس الضمير النفسي والخلقي[8] ليكون بعد ذلك تمكين المتعلم من حصانة نفسية لجميع ما قد يتسلل لذهنه من أفكار تهدم عقيدته وتفسد توجهه.

ب-  الأهداف السلوكية :الإسلام هو الترجمة السلوكية  للإيمان الذي هو عمل من أعمال القلب،كما أن الاستقامة هي مداومة المقام في الأمر لا ينكب عنه  المرء يمينا ولا شمالا ولا يلتزم منه ما لا يطيقه ،لذلك نظر  القابسي إلى الإسلام والايمان  نظرة تركيبية لا تحليلية  باعتبار سلوك الفرد وحدة لا تتجزأ ،لأن من اعتقد الايمان في الباطن فهو معلن عنه في الظاهر، كما نظر  إلى الاستقامة بأنها  أثر الايمان والاحسان والإسلام وهو بلا شك هدف سلوكي يظهر على تصرفات الناس الظاهرة .

ج- الأهداف الاجتماعية: يرى القابسي بأن حصول الايمان والإسلام والاحسان والاستقامة  يفضي إلى تحقيق الصلاح الذي هو عمل يعود بالخير على الفرد والمجتمع معا،فصلاح الفرد هو صلاح للمجتمع كذلك، من هنا نقول إن تعلم القران له أهداف مجتمعية أيضا .

د-  الأهداف العقلية: بلوغ المؤمن درجة الايمان يمر عبر قنوات عقلية محضة تتمثل في الإقرار كما أن حفظ كتاب الله هو تمكين المتعلم من عمليات عقلية كثيرة منها: التذكر والنسيان، التصور والتخيل، الإدراك والانتباه، الاستدلال، ولذلك كان من اهداف تعليم الصبيان القران هو تمكين المتعلم من عمليات عقلية كثيرة ما أحوج الصبيان لتشغيلها .

2- المضامين:

قسم القابسي المضامين إلى قسمين [9]

قسم إلزامي :يتمثل في تعليم القران الكريم واصول القراءة والكتابة الدعاء الفقه

قسم اختياري:يتناول الحساب والشعر والعربية والنحو والخط التاريخ

3-  الايقاعات المدرسية [10]:

 قرر القابسي ايقاعات زمنية تترواح بين حصص مقررة للتعليم الإلزامي والاختياري وبين عطل مدرسية أسبوعية ودينية وعطل تتبع العرف .وعليه يمكن تقسيم هذه الايقاعات إلى ما يلي:

أ – يدرس الصبيان القرآن من أول النهار في وقت مبكر حتى الضحى.
ب- يتعلمون الكتابة من الضحى إلى الظهر.

ج-ينصرف الصبيان إلى لتناول الغداء ويعود دون بعد صلاة الظهر.
د- تدرس بقية العلوم كالنحو والعربية والشعر من كلام العرب والحساب من بعد الظهر إلى آخر النهار

ه- العطلة الأسبوعية  تكون من يوم الحميس مساء إلى يوم السبت صباحا [11]

و- بطالة الأعياد تجري حسب العرف فقد تكون يوما في عيد الفطر وثلاثة أيام في عيد الأضحى وقد تصل إلى خمسة أيام

ز- يعطى يوم أو بعض يوم  عطلة لختم القران

  • المعلم : تحدث القابسي عن كفايات المعلم وواجباته وحقوقه وقسمها إلى:

كفايات معرفية: تشمل حفظ كتاب الله و امتلاك المعارف التي يدرسها للمتعلمين ،

كفايات أخلاقية: تتمثل في ضرورة التعفف عن أخذ ما لا يحل له وأداء واجبه على أحسن وجه

كفايات دينية: تنطلق أساسا من حفظ كتاب الله والقيام بالواجبات الدينية

  •  واجبات المعلم:

أداء الواجب على أثم وجه : شدد القابسي على واجب المعلم في الاجتهاد حتى يوفي ما يجب عليه من الصبيان [12] بتدريسهم وأن لا يشتغل  بشيء من الأشياء الخاصة  يقول القابـسي في ذلـك: “ولا يجــوز للمعلـم أن يــشتغل عـن الـصبيان إلا أن يكونــوا في وقـت لا يعرضــهم فيـه، فــلا بأس أن يتحدث، وهو في ذلك ينظر إليهم ويتفقدهم [13]

مسؤوليته عن  تحصيل المتعلمين: اعتبر  القابسي المعلم مسؤولا عن تحصيل تلاميذه سواء بالتفريط أو الغرر، يقول القابسي :إنه يستأهل الأدب لتفريطه فيما وليه ،وتهاونه بما التزمه  وأن  يمنع  من التعليم وهو صواب إذا كان شأنه التفريط أو الغرور بتعليمه وهو لا يحسن [14]

  • حقوق المعلم:

يستحق أجرة على عمله ، تتفاوت بحسب امتلاك الكفايات المعرفية.

يحق له التعاقد مع أولياء التلاميذ على الأجرة بحسب المضامين المدرسة .

له الحق في طلب الهدايا في حالات معينة.

له الحق في استئجار من يكون فيهم بمثل كفايته لهم اليوم أو اليومين وكذلك إن سافر سفرا قريبا اذا عرض له مرض أو شغل

له الحق في أن يكتب لنفسه ولغيره كتبا في وقت الفراغ

  • مواصفات المتعلم وحقوقه:

المتعلم عند القابسي هو متعلم يقبل على التعلم ولا يتهاون في أداء واجبانه التعليمية ، ذو خلق رفيع ،يعرف ربه ويؤدي التزامته الدينية ،لذلك وضع له القابسي حقوقا نذكر من بينها :

تمكينه من حقه في التعلم :بحيث يحق للمعلم التدخل في حالة إدمان التلاميذ البطالة او التقصير في التعليم  ،فيستشير وصيه أو يؤدبه بحسب مصلحته وما يراه مناسبا له.

الرفق: نصح القابسي المعلم اتباع سياسة اللين مع الصبيان لما في العقوبة من أضرار نفسانية وجـسدية تحيـد عـن غرضـها الأصـلي في التربيـة وهـو إصـلاح الفـرد، يقول  القابسي:ومن حسن رعايته لهم أن يكون رفيقا بهم [15]

التأديب: شريطة أن يكون متدرجا ، فيبدأ بالتنبيه ثم العزل، ثم التقريع بغير كلام موحش، ثم الضرب إذا لزم الأمر.‏ كما يشترط ألا يكون انتقاما فيتعدى حدود الألم إلى التأثير المشنع أو المضر.‏

تمكينه من التربية الخلقية بحيث لا يتركه يقوم ببعض الأشياء المنافية للشرع والعرف: كالتبايع بالربا

تمتيعه بالعطل وأوقات الراحة: يعتبر القابسي أن عطلة نهاية الأٍسبوع فرصة جيدة لتجديد نشاط الأطفال والمدرسين على السواء، ولا يرى بأساً في استمرارها، خاصة وأنها أصبحت عُرفاً وسُنَّة، جرى عليها الناس، حتى أضحت حقاً مكتسباً للمعلمين، والمتعلمين دون أن يعيبها عليهم أحد.‏
أما مدتها فهي من عصر يوم الخميس حتى صباح يوم السبت؛ كذلك فإن العطل أيام المناسبات والأعياد لا بأس فيها، لأنها أصبحت عرفاً مشهوراً، ووافق الناس عليها.‏

العدل بين الصبيان: ومن حقهم عليه أن يعدل بينهم في التعليم، ولا يفضل بعضهم على بعض وإن تفاضلوا في الجعل[16]

  • طرق التدريس

يعتتمد القابسي في التدريس على طرق متعددة :

طريقة التلقين :يقرا المعلم الآية ثم يرددها حتى يحفظها المتعلم

طريقة العمل في مجموعة :يقول القابسي : وسألت هل للصبيان الصغار او الكبار البالغين أن يقرؤوا في سورة واحدة جماعة على وجه  التعليم فإن كنت تريد يفعلون ذلك عند المعلم فينبغي على المعلم أن ينظر فيما هو أصلح لتعليمهم فيأمرهم به ويأخذ عليهم فيه .لأن اجتماعم  في القراءة بحضرته يخفي عنه قوي الحفظ والضعيف ولكن إن كان على الصبيان من ذلك خفة فيخبرهم انه سيعرض كل واحد منهم في حزبه .[17]

طريقة التعلم بالأقرانأجاز القابسي اتخاذ عريف في تعليم المتعلمين، وهو في ذلك يؤكد أهمية التعليم بالأقران الذي هو نظام للتدريس يساعد فيه المتعلمون بعضهم البعض، ويبنى على أساس أن التعليم موجه ومتمركز حول المتعلم مع الأخذ في الاعتبار بيئة التعلم الفعالة التي تركز على اندماج الطالب بشكل كامل في عملية التعلم التعاوني، ويعتمد على قيام المتعلمين بتعليم بعضهم بعضا تحت اشراف المعلم.

  • التقويم.
    تحدث القابسي عن نوعين من التقويم :

تقويم تكويني يتخلل حفظ كتاب الله بحيث لا يمر من سورة إلى أخرى إلا بعد معرفة شكلها وإعرابها ،ويطبق ذلك  بإجراء امتحـان دوري أسـبوعي للـصبيان وهـو مـا يـسميه التفقـد والعـرض، يقول القابسي”وعليـه أن يتفقـدهم للتعليم والعرض ويجعل لعرض القرآن وقتا معلوما، مثل عشية الأربعاء، ويوم الخميس.[18]

تقويم إجمالي :يكون بعد ختم القران وتسمى الحذقة يـستوجبها المعلـم علـى وجهـينأحـدهما أن يـستظهر القـرآن حفظـا مـن أولـه إلى آخـره ،فهذا الذي تجب له الختمة، وتكون على قدر ما فهمـه الـصبي ممـا علمـه المعلـم مـع اسـتظهار للقـرآن، والوجـه الآخـر
أن يكـون الـصبي اسـتكمل قـراءة القـرآن في المـصحف نظـرا، لا يخفـي عليـه شـيء مـن حروفـه، مـع مـا فهمـه الـصبي
مما ينضاف إلى ذلك من ضبط الهجاء والشكل وحسن الخـط[19]

المبحث الثالث :قضايا المنهاج من خلال الرسالة المفصلة

نناقش في هذا الفصل بعض القضايا التي تكتنزها الرسالة المفصلة ،وهي قضايا ذات صبغة متجددة في الواقع المعاصر، ومن بينها ثنائية الظاهر والخفي في المنهاج الدراسي والقيم والشراكة التربوية.

المطلب الأول :ثنائية الظاهر والخفي في المنهاج الدراسي

أقرت الرسالة  منهاجا توفيقيا يقترب من التصور المتعلق بالفرد المندمج مع محيطه والمتوافق مع مجتمعه،كما أقرت سلوكيات تجعل الفرد مؤمنا بذاته فعالا في مجتمعه، فأكدت أهمية  السلوك الثقافي المتمثل في طلب العلم والمعرفة  وربط الصلة بين الأهداف والمحتوى وحرصت على سلوك ديني  اجتماعي أخلاقي  يتمثل في الاستقامة والصلاح .إلا أن السؤال الذي نود الإجابة عنه :هو أثر هذه الرسالة وعناصر المنهاج الذي تكتنزه  في النسيج الاجتماعي والديني والسياسي .وبعبارة أخرى ما الأثر الخفي لرسالة القابسي  في الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية ؟

إن معرفة ذلك يستلزم ربط العلاقة بين السياقات التي ظهرت فيها الرسالة مع عناصر المنهاج الذي تكتنزه ،

ومن هنا نقول : لقد كان المجتمع  في عصر القابسي حريصا على تربية أفراده تربية دينية يتلقى فيها الفرد تعاليم دينه وأصول العبادة. ، وكانت الإرادة متجهة في أن يتعلم الطفل القرآن وما يمت إليه بصلة، ،فالقران الكريم هو صلة العبد بربه و أساس الخلق الرفيع الذي يتربى عليه الصبي ، وبناء عليه ، نفهم سياق تأليف القابسي لرسالة تهم تعليم الصبيان القران ،وهي رسالة تضم أحكاما للمتعلمين والمعلمين كما تضم أهدافا وإيقاعات زمنية للتعلم والعطل، وهي رسالة واقعية تعبر عن الواقع الاجتماعي الذي عاش فيه ،إلا أن الملاحظ انها جاءت بمفاهيم  جديدة  من مثل الزامية التعليم التي تؤكد رغبة القابسي في تعليم أبناء الشعب جميعا ، وتعليم البنات مساواة بينهم وبين الذكور والاعتراف بالفروق الفردية التي تجعل نسق التعليم وطريقته تختلف باختلاف المستوى والأهداف المرسومة سلفا، وكل  ذلك أسسه  على أصول دينية تنطلق من الكتاب والسنة والإجماع والقياس  ومن أصول المذهب المالكي  الذي ينتمي إليه  [20]،لذلك كانت رسالة القابسي رسالة تحمي المذهب في الوقت الذي كانت فيه السلطة السياسية سلطة شيعية ، كما أن  اهتمام  الرسالة بمرحلة عمرية اثبت الدراسات الحديثة أهميتها في تشكيل الوعي وبناء الشخصيىة لم يكن من باب الترف والهوى، إنما كان دعوة لتربية الأطفال منذ نعومة اظافرهم  تربية دينية في مؤسسة تربوية استقدمها العرب من غيرهم، إذ كانت التربية في البداية أسرية محضة ،فجاء الكتاب مؤسسة تربوية جديدة يستحدثها المعلمون بغرض تعليم القران  والعلوم المصاحبة له وليس للحاكم فيها تدخل .

لقد بين القابسي بأن  للمعلم دورا تربويا رئيسا حيث يعلم صبيانه  إضافة إلى العلم الأخلاق والقيم، لذلك لم تكن رسالة القابسي رسالة في بيان أحكام المتعلمين والمعلمين فقط ،بل  رسالة قيمية كذلك ،،كما  كرست مفهوم المساواة في طلب العلم بين الذكور والإناث وهي مسالة تؤكد دور الإناث في خدمة المجتمع كذلك .

لقد استفاد القابسي من معرفته بالقرآن والحديث والفقه ،من عرض مشروع تربوي متكامل ينطلق من التعليم الاولي الذي يتعلم فيه الصبي القران ومضامين الزامية واختيارية  ليؤكد أن بناء شخصية الانسان الدينية والأخلاقية تمر عبر هذه المرحلة ،ولذلك لا مناص من الاهتمام بحفظ القران في مرحلة التعليم الأولي،: إذ الغفلة والانصراف عنه إلى أنشطة أخرى قد تجعل رصيده الديني واللغوي ضعيفا وهذا ما اثبتته الدراسات الحديثة التي أكدت أن رصيد الطفل المتمكن من القران أفضل بكثير من غيره .

ولذلك نقول بان اهتمام القابسي بهذه المرحلة العمرية بالذات هو لبناء شخصية متمتعة برصيد أخلاقي و لغوي مهم يساعدها على المسير قدما في مسار التعلم .

المطلب الثاني :القيم في منهاج الرسالة المفصلة

القيم جمع قيمة وأصلها الواو لأنها من مادة قوم اتي تدل على انتصاب وعزم

يقول ابن منظور :القيمة ثمن الشيء بالتقويم ،تقول تقاوموه فيما بينهم ،وإذا انقاد الشيء واستمرت طريقته فقد استقام لوجهه ،ويقال كم قامت ناقتك ؟أي كم بلغت[21] .وقال الجوهري :والقيمة واحدة القيم ،,اصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء ،وقومت الشيء فهو قويم أي مستقيم ،والقوام :العدل وقوام الأمر بالكسر :نظامه وعماده [22]

القيم في الاصطلاح التربوي:

عرفها عبد الحميد محمد الهامشي:القيم  محموعات من  التنظيمات النفسية لأحكام فكرية وانفعالية يشترك فيها أشخاص بحيث تعمل تلك التنظيمات في توجيه دوافع الأفراد ورغباتهم في الحياة الاجتماعية الكبرى لخدمة أهداف محدودة تسعى لتحقيقها تلك الفئة [23]  فالقيم بحسب هذا التعريف مجموعة من مبادئ وآراء منظمة تسعى لخدمة هدف مشترك بين الأشخاص

أما  أحمد طهطاوي فقد عرفها بأنها :مجموعة من المبادئ والقواعد  والمثل العليا  ،التي يؤمن بها الناس ويتفقون عليها فيما بينهم،ويتخدون نها ميزانا يزنون به أعمالهم ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية [24]وهو بالتالي يرى بأن القيم مقاييس يحكم بها على الأشياء

وأما فؤاد البهي السيد  فقد عرف القيم بأنها :معايير تتصل من قريب بالمستويات الخلقية التي تقدمها الجماعة،ويمتصها الفرد من بيئته الاجتماعية الخارجية ويقيم منها موازين يبرز بها أفعاله ،ويتخذها هاديا ومرشدا، وتنتشر هذه القيم في حياة الافراد وتحدد لكل فرد  حلفاءه وأصحابه وأعداءه [25] فالقيم  بحسب رؤيته هي عبارة عن تفضيلات يختارها الفرد من البيئة الخارجية

والملاحظ على هذه التعريفات أنها نظرت للقيم على أنها :

أحكام ومعايير وقوانين ومبادئ ومفاهيم ومعتقدات تحكم سلوك الفرد

القيم توجه افراد المجتمع نحو اهداف معينة

القيم تنبثق من عقيدة المجتمع

القيم ملزمة لأفراد المجتمع

القيم في منهاج الرسالة:

تكوين المتعلم لا يقتصر على المعارف التي يستطيع امتلاكها فحسب، بل أيضا على القيم التي يتمسك بها ،وعلى المواقف والاتجاهات التي يتخذها حيال كثير من الأمور في المجتمع ومنها حيال العمل وطبيعته والزمن واستثماره والتعاون ومداه [26]

لذلك، كانت رسالة القابسي رسالة قيمية بامتياز، يتأكد ذلك في أنواع القيم التي جاءت بها ،وهي قيم فردية تهم الأفراد وخاصة المعلم والمتعلم وقيم مجتمعية تجعل كلا منهما فعالا في مجتمعه منخرطا فيه ويتجلى ذلك من خلال الأمور الآتية :

 قيم الرسالة على مستوى الأفراد:

تتحدث الرسالة عن تقوية الصلة بالله عزوجل إلى الدرجة التي تجعل المرء يراقبه في كل حركاته وسكناته، فلا يقدم على شيء إلا وهو يراعي الله ويرجو له وقارا ،لذلك بدأت الحديث عن الإسلام والايمان والإحسان والاستقامة والصلاح .كما  حددت  مسارات الفرد وسلوكياته في الحياة  حماية له من الانحراف والانجرار وراء شهوات النفس . فحددت للمعلم واجباته وحقوقه ودعته إلى التعفف عن ما لا يحق له من العطايا، وفي مقابل ذلك وضعت للمتعلم مواصفات تدل على ضرورة التمسك بالقيم،  كقيم العمل والتعاون والاجتهاد والعفة وغير ذلك .

يقول القابسي :وإنه لينبغي للمعلم أن يحترس بعضهم  البعض إذا كان فيهم من يخشى فساده يناهز الاحتلام أو يكون له جرأة [27]

لقد جاءت رسالة القابسي  بقيم ترفع  شأن الأفراد وهي قيم  شرعية مستمدة من الكتاب والسنة وبينت أن البواعث إنما تستمد منهما ، كما أكدت أن شخصية الصبيان تنطبع بطابع المعلم إلى جانب انطباعها بشخصية زملائهم في الكتاب ،وكل ذلك يعيين الفرد على التوافق الاجتماعي والتكيف مع من حوله وتحقق للفرد الأمان  ليستعين بها على مواجهة ضعف نفسه والتحديات التي تواجهه في حياته.

قيم الرسالة على مستوى المجتمع:

إضافة إلى القيم الفردية التي تبني شخصية الفرد، فقد أكدت الرسالة على أهمية القيم التي تحكم المجتمع، وهي قيم شرعية وعرفية تعارف عليها أفراده تجعل الفضيلة أساسا والسلوكيات الاجتماعية والأخلاق الفاسدة نشازا، فتدخل المعلم واجب اذا رأى ما يهدم عقيدة وأخلاق التلاميذ، قال القابسي :ويشدد عليهم في الأخذ ألا يعودوا إلى التبايع  فيما بينهم لا فيما يحل بين الأكابر ،ولا فيما لا يحل ،ويعرفهم وجه الربا فيما صنعوا على ذلك ،يخبره بعيبه ويقبحه عنده ،ويتواعده بشدة العقوبة عليه  إن هو عاوده ليتدرج إلى مجانبة الخطأ[28] ،ولا شك أن التعامل بالربا وإن كان أمرا فرديا ،فأثره على المجتمع أخطر ،

كما أن المساواة بين  الأنثى والذكر في حق التعليم  أمر لازم لأنه يحقق توازنا  اجتماعيا , فالتعليم ليس حكراً على الذكور فقط، إنما هو حق من حقوق الإناث أيضاً.وفي ذلك دلالة على تعميق الوحدة الإسلامية .
إن الناظر في الرسالة المفصلة يتضح له بجلاء أنها كرست قيما فردية ومجتمعية ولذلك نقول إن الرسالة رسالة قيمية بامتياز.

 المطلب الثالث: الشراكة التربوية في منهاج الرسالة .

يتحدث كثير من الباحثين أن نظام الشراكة التربوية برز بداية في أمريكا ثم انتقل إلى أوربا [29]  ويقتضي أن تقدم كل مؤسسة دعما للمؤسسات الأخرى بأن تضع رهن إشارتها مختلف الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة بحيث تنفتح كل مؤسسة عل الأخرى في اتجاه انفتاحها على محيطها،إلا أن الناظر في مفهوم الشراكة قد يجدها  شاخصة في  رسالة  القابسي، إذ نجد تعاقدا  بين المعلم والولي حول الأجرة وكذلك حول  المضمون البيداغوجي كما نجد تعاقدا ضمنيا بين المعلم وولي الأمر  يقره المجتمع  ،وهذا بلا شك نوع من الشراكة التي تخدم التعليم والمجتمع معا ،والشراكة التي أشار إليها القابسي قد تكون شراكة مالية وشراكة بيداغوجية.

أما الشراكة المالية:فتتحدد من خلال الأجرة التي يتعاقد عليها كل من الولي والمعلم،وهي أجرة تتحدد بحسب المضمون المدرس وبحسب مدة التدريس كما تتحدد بحسب أهداف ولوج الكتاب .

قال القابسي:ولكن ما يؤخذ على تعليم القران ليس معناه أن يؤخذ معناه هكذا لعلة ما ،فهم المعلم من القران ،إنما هو عوض من العناية بالتعليم والقيام لرياضته [30] ويقول :وتعليم سورة على المعلم في حفظ المتعلم لها عناء وشغل فيمكن أخذ الأجرة على ذلك [31]

وأما الشراكة البيداغوجية: فتتمثل في ضرورة استشارة الوصي في أمور تتعلق بالمضمون المدرس والتأديب وأخرى متعلقة بالزمن المدرسي …..

أما الأولى :فمثاله قول القابسي : وينبغي أن يعلمهم الحساب وليس بذلك لازم إلا أن يشترط عليه [32] وأما الثانية فمثاله قول القابسي :فإن اكتسب الصبي جُرماً من أذى ولعب وهروب من الكتَّاب، وإدمان البطالة، فينبغي أن يستشير أباه أو وصية إن كان يتيماً، ويُعلمه بجرمه إذا كان يستأهل من الأدب فوق الثلاث، فتكون الزيادة على ما يوجبه التقصير في التعليم، عن إذن من القائم بأمر هذا الصبي، ثم يزاد على الثلاث ما بينه وبين العشر، إذا كان الصبي يطيق ذلك. وصفة الضرب هو ما يؤلم ولا يتعدى الألم إلى التأثير المشنع أو الوهن المضر. وليتجنب أن يضرب رأس الصبي وجهه، فالضرب في الرجلين آمن، وأحمل للألم في سلامة[33] وأما الثالثة فقول القابسي:,اما بطالة الصبيان من أجل الختم……. ولا يجوز له أن يأذن لهم إلا بإذن آبائهم كلهم لأنه أجير عندهم[34].‏

ولا شك أن أمثلة ذلك كثيرة تدل دلالة واضحة أن فكر الشراكة التربوية كان حاضرا في فكر الإمام القابسي، وفي رسالته المفصلة .

خاتمة:

ما أحوج المدرسة إلى منهاج تربوي مستمد من تراثها حتى تقوم بأدوارها التربوية المنوط بها، فتخلفها وكثرة مظاهر اختلالها   له أسباب عديدة قد تتجاوز ما هو تربوي إلى ما هو سياسي واستراتيجي، وبالرغم من ذلك فلابد من التفكير مليا عن طريق سهل عذب قد ينهض بالمدرسة ويجعلها تقوم بأدوارها التربوية، ومن ذلك العودة إلى تراثها الذي يكتنز مناهج قد تكون صالحة لبيئتها وهويتها، وعليه فقد اخترت رسالة القابسي لنكشف عن عناصر المنهاج الذي تكتنزه وكذلك عن بعض القضايا التربوية المعاصرة التي تزخر بها .

وقد خلص البحث إلى ما يلي:

تحدث القابسي عن عناصر المنهاج التربوي، فتحدث عن الأهداف التربوية التي يمكن تقسيمها إلى أهداف نفسية وعقلية وسلوكية واجتماعية ، كما تحدث عن حقوق المعلم وواجباته وعن مواصفات المتعلم وحقوقه كما أشار إلى الايقاعات الزمنية وطرق التدريس ،إضافة إلى ذلك فقد تبين أن الرسالة تكتنز قضايا لا زال المفكرون التربويون يتداولونها وهي قضية الظاهر والخفي في المنهاج والقيم وأهمية الشراكة واندماج المدرسة في محيطها ،والذي تبين أن  من بين أهداف  الرسالة هو تثبيت المذهب المالكي في وقت كانت فيه السلطة شيعية ، كما أنها رسالة قيمية تهدف إلى الرقي بالفرد والمجتمع ، كما أثبتت الرسالة أن الكتاب أو المؤسسة التعليمية يجب أن تكون منفتحة على غيرها، فيشاركها المحيط أو الأولياء في صياغة برنامجها و في تمويلها وفي رسم أهدافها ،ولا شك أن هذا يدل على فكر متقدم لم تتحدث عنه الدول الغربية إلا في أزمنة متأخرة .

وخلاصة القول :فحاجة الأمة إلى قراءة تراتها التربوي ماسة، فهو يكتنز ما يصلحها ويرتقي بها من دركات التخلف إلى درجات التقدم ،وهذا ما بينته الرسالة التي تزخر بقضايا تربوية  أعتقد أن التمسك بها سينقلها من حال إلى حال ومن درجة إلى أخرى كما بناء شخصية الانسان الدينية والأخلاقية تمر عبر هذه مراحل التعليم الأولي ،لذلك فلا  مناص من الاهتمام بحفظ القران في  هذه المرحلة إذ الغفلة والانصراف عنه إلى أنشطة أخرى قد تجعل رصيده الديني واللغوي ضعيفا وهذا ما أثبتته الدراسات الحديثة التي أكدت أن رصيد الطفل المتمكن من القران أفضل بكثير من غيره  والحمد لله رب العالمين

المصادر والمراجع

بيداغوجيا الكفايات عبد الكريم غريب منشورات عالم التربية ط5 2004 ص 196

التربية في الإسلام الاهواني دار المعارف مصر

الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين دراسة وتحقيق أحمد خالد الشركة التونسية للتوزيع ط1 1986

العبر في خبر من عبر شمس الدين الذهبي تحقيق صلاح الدين المنجد وفؤاد السيد الكويت 1960

علم النفس الاجتماعي فؤاد البهي السيد دار الفكر العربي القاهرة 1980

الفكر التربوي عند الإمام القابسي مذكرة لنيل شهادة الماستر سميحة بلعمري جامعة المسيلة الجزاير

: القاموس المحيط الفيروز أبدي الشيرازي دار الفكر بيروت ط1983

القيم التربوية في قصص القرآني سيد أحمد طهطاوي دار الفكر العربي القاهرة ط1 ة 1996م

لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، دار صادر بيروت ط1.

المرشد في علم النفس الاجتماعي  عبد الحميد محمد الهاشمي  دار الشروق جدة ط1 1984م

المناهج الدراسية النظرية والتطبيق القاهرة عالم الكتب الطبعة 1 2013

المنهاج المندمج  اطروحات في الاصطلاح البيداغوجي لمنظومة التربية والتكوين  د محمد الدريج ط1 2015 منشورات علوم التربية مطبعة النجاح الجديدة

النهج التعليمي والعمل التربوي المضبوط مجلة التدريس عدد 7 1984

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان تحقيق احسان عباس بيروت دار صادر

[1] المناهج الدراسية النظرية والتطبيق القاهرة نجيب محمد عالم الكتب الطبعة 1 2013 ص 26

[2] النهج التعليمي والعمل التربوي المضبوط مجلة التدريس عدد 7 1984

[3]  بيداغوجيا الكفايات عبد الكريم غريب منشورات عالم التربية ط5 2004 ص 196

[4] بناء الكفايات انطلاقا من المدرسة  بيرنو  مراجعة وتقديم غريب عبد الكريم ترجمة بوتكلاوي لحسن الدار البيضاء منشورات عالم ىالتربية 2004 ص 23è

[5] العبر في خبر من عبر شمس الدين الذهبي تحقيق صلاح الدين المنجد وفؤاد السيد الكويت 1960 ج3 ص 85

[6] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان تحقيق احسان عباس بيروت دار صادر ج3 ص 320

[7] التربية في الإسلام بتصرف من الصفحة 34 إلى الصفخة 111.

[8]  التربية في الإسلام الأهواني  دار المعارف مصر  ص 14 بتصرف

نفسه ص 166[9]

[10]  نفسه ص 184

[11]  التربية في الإسلام ص 184

[12]  الرسالة المفصلة ص 126

نفسه ص 144[13]

[14]  الرسالة المفصلة  ص150

[15] نفسه ص 127

الرسالة المفصلة ص 131[16]

[17]  نفسه  ص 171

[18] الرسالة  المفصلة ص 131

 انفسه ص – 149 150[19]

[20] الفكر التربوي عند الإمام القابسي مذكرة لنيل شهادة الماستر سميحة بلعمري جامعة المسيلة الجزائر  ص 46،التربية في الإسلام ص 47

لسان العرب ابن منظور مادة قوم 5/3781[21]

القاموس المحيط الفيروز آبادي مادة قوم ص 1152 [22]

المرشد في علم النفس الاجتماعي  عبد الحميد محمد الهاشمي  دار الشروق جدة ط1 1984م ص 139[23]

[24] القيم التربوية في قصص القرآني سيد أحمد طهطاوي دار الفكر العربي القاهرة ط1 1996م ص 42

[25] علم النفس الاجتماعي فؤاد البهي السيد دار الفكر العربي القاهرة 1980 ص 294

المنهاج المندمج   أطروحات في الاصطلاح البيداغوجي لمنظومة التربية والتكوين  د محمد الدريج ط1 2015 منشورات علوم التربية مطبعة النجاح الجديدة ص 77[26]

[27] الرسالة المفصلة  القابسي  ص 131

الرسالة المفصلة للقابسي ص 133[28]

[29]  المنهاج المندمج الدريج ص 183

[30] الرسالة المفصلة ص101

[31] نفسه ص 109

 نفسه 113[32]

[33] الرسالة المفصلة ص 129 – 130

[34] نفسه ص 136

Leave A Reply

Your email address will not be published.