منهجيـة تحليل المضمـون

د. أحمد أوزي

 منهجيـة تحليل المضمـون

د. أحمد أوزي

أعـد التقريـر:

ذ. رشيد الوهـابي

افتتحت أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية برنامج الدورة التكوينية في مناهج البحث في نسختها الثانية، بمحاضرة افتتاحية قدمها الأستاذ الدكتور أحمد أوزي في موضوع: “منهجية تحليل المضمون“، وذلك يوم الخميس 08 رمضان 1444هـ الموافق ل 30 مارس 2023م، عبر تقنية التناظر عن بعد ZOOM، وصفحتها على الفايسبوك. وقد عرفت المحاضرة حضورا متنوعا لأساتذة جامعيين، وطلبة باحثين بسلكي الماستر والدكتوراه، ومهتمين بمناهج البحث.

  اسْتُهِلَّ النشاط التكويني بتلاوة عطرة لآيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبها كلمة ميسر المحاضرة الافتتاحية الباحث في قضايا التربية والتعليم الأستاذ محمد لهوير الذي رحب بالمؤطر والحضور، ونوَّه بدأب الأكاديمية على تنظيم دورات تكوينية لفائدة الفاعلين التربويين والباحثين، وغيرها من الأنشطة التي تُسهم في تطوير الخطاب الفكري والتربوي. وذلك ما أبرزه رئيس أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية الدكتور مصطفى صادقي في كلمته الافتتاحية لأشغال الدورة التكوينية، حين ألمع إلى حرص الأكاديمية على تنظيم موائد للمدارسة في مناهج البحث، لتذليل العقبات التي تعترض مسار الباحثين، مذكرا بنجاح النسخة الأولى المنظمة في رمضان 1443ه/2022م، حضورا وتفاعلا وإصدارا لكتاب الدورة في حلة جميلة بمطبعة سليكي أخوين بطنجة. ولم يفت الدكتور صادقي التعبير عن تشرُّف الأكاديمية بتأطير الأستاذ الدكتور أحمد أوزي المحاضرة الافتتاحية للدورة، وشُكْرِ باقي الأساتذة الدكاترة المؤطرين لحصصها بأسمائهم، والحضور الكريم.

   بعد تأطير موضوع النشاط بأسئلة قاصدة، قدم مُيَسِّرُه عضو الأكاديمية الباحث محمد لهوير بطاقة تعريفية بالأستاذ المحاضر، صارفا له الكلمة التي استهلها بشكر الأكاديمية على كريم الدعوة، وبسط فرش معرفي عن البحث العلمي تعريفا وهدفا ومنهجا ومسارا، وتذكيرا بخطواته من إحساس بالمشكلة، وتحديد الإشكال، وصوغ الفرضيات، واختيار المناهج، وأدوات البحث المندرجة تحت مظلتها، وجمع البيانات، وتحليلها وتفسيرها وتأويلها، واستخلاص النتائج لفتح آفاق بحثية أمام الباحثين. كما بين المحاضر أهمية علاقة الباحث ببحثه إحساسا بمشكله، وتفكيرا فيها، وتقديرا لإمكاناته، ووقت إجرائه، وقيمة حظوته بتأطير وإشراف بحثي متميز.

  وانتقالا إلى صلب موضوع المحاضرة “منهجية تحليل المضمون”، بعد التمهيد له بوضعه في سياقه، لفت الأستاذ الدكتور بكلية علوم التربية بالرباط (جامعة محمد الخامس) انتباه الحضور إلى السياق الزمني والفكري لظهور هذه التقنية، الذي عكسه توظيفها في الدعاية والإعلام في الحربين العالميتين الأولى والثانية وأعقابهما، قصد تحليل المواد الإعلامية.

  وعن التأطير الحدِّي لهذه المنهجية، ساق مؤلف كتاب “منهجية البحث وتحليل المضمون” جملة من التعاريف، منها تمثيلا: تحليلٌ يركز على المعنى الظاهر كما ذهب إلى ذلك “برغسون”، والعدُّ الإحصائي للمعاني التي تتضمنها المادة المراد تحليل مضمونها، ليخلص إلى كون منهجية تحليل المضمون: “تحليل منهجي تجريبي يختلف شكل استعماله باختلاف مجالات البحث، وطبيعة البحوث”، وبذلك تتسم هذه المنهجية بخصائص المرونة والقابلية للتكيف والتنظيم؛ ذلك أن الوصول إلى المعنى المقصود يمر عبر آلية تنظيم المادة المقروءة حسب “دوركايم”، مع البعد عن الإغراق في الإحصاء الكمِّي، خاصة في البحث في العلوم الإنسانية التي لا تكفي فيها الأرقام لتفسير الظواهر الإنسانية الملاحظة.

  كما نبه مدير تحرير مجلة “علوم التربية” الدكتور أحمد أوزي إلى نوعي الملاحظة المعتمدة في منهجية تحليل المضمون: الملاحظة التجريبية الميدانية، والملاحظة التي تتخذ من الوثائق المختلفة، كتبا ومجلات…، موردَ اشتغال الباحث ومادته المرجعية. وعدَّد مجالات استعمال التقنية: المواد الإعلامية، الكتب المدرسية، الصور، الرسائل، الاستبيانات، المقابلات العلمية…، وأهداف استخدامها التي توجه عمل الباحث، وتتنوع حسب مجاله، ضاربا المثل بالإعلام، إذ يؤطر الباحث أسئلة: من المتحدث؟ ماذا يقول؟ وكيف يقول؟ ولمن يوجه خطابه؟ ولأي هدف؟ ولأي نتيجة؟

  وعن معايير توظيف منهجية تحليل المضمون، أكد الخبير التربوي أحمد أوزي – المعتمد لدى مؤسسات دولية تعنى بالتربية والتعليم كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”- إلى معيار إتقان اللغة لفهم النص المراد تحليله، وتحري الموضوعية استبعادا العواطف والإيديولوجيات، ومراعاة سياق استخدام المنهجية، وهذا ما يساعد على تأطير عمل الباحث باتباع خطوات تحليل المضمون الآتية:

– التحليل الأولي للمضمون بإجراء ما يسمى “الدراسة الاستطلاعية”، ويتم في هذه الخطوة استقراء واستقصاء ما يهم من بيانات.

– تحليل المضمون باعتماد واستثمار كل البيانات.

– التفسير العام للبيانات.

   ويعتمد التحليل على القياس لفحص صحة الفروض من عدمها، وذلك باستعمال الترميز الذي يُمكِّنُ من قراءة المضمون قراءة دقيقة، فالقياس تحويل المعطيات الخام إلى وحدات تُحَلَّلُ وتُصَنَّفُ لتسمح باكتشاف الخصائص، وتتنوع هذه الوحدات إلى: وحداتُ تسجيل “معلومة مثلا”، وحداتٌ تُستخرج من سياق، وحداتُ الموضوع/الفكرة “تعريف مفهوم مثالا”، ويُعِين في ذلك إعداد جدول يضم فئات وموضوعات/تيمات. وقد أشار الأستاذ المحاضر إلى الدراسات التي تم تضمينها في كتابه “منهجية البحث وتحليل المضمون” مُرفقة بشبكات، مُمثِّلا بشبكة تحليل صورة الطفل في الرواية: جنسه، فضاء حضوره، طبقته الاجتماعية، طريقة تناوله بوصفه واقعا أم مثالا أم أسطورة أم رمزا…، ويعمد الباحث إلى دراسة الفئات، كل فئة على حدة، وفق الشبكة المُعدَّةِ بنظام قياس وترميز، مع حساب التكرار/التردُّد.

    وختم الأستاذ المحاضر ذو التآليف الكثيرة في مجال التربية والتعليم، محاضرته بخلاصة مركزة عن موضوعها، مؤكدا أن منهجية تحليل المضمون تتطلب إلى جانب القراءة النظرية عنها، ممارستها عمليا لاكتساب ملكة توظيفها.

   بعد تجديد ميسر النشاط التكويني الافتتاحي الشكر للأستاذ المحاضر، فتح المجال للتفاعل من الحضور الكريم، فتنوعت أسئلة الباحثين والباحثات من داخل المغرب وخارجه، لتشمل كيفية استخدام منهجية تحليل المضمون في الدراسات القانونية، وإمكان ذلك في الدراسات الإسلامية، وصدقية المنهجية في مجال الترجمة خاصة، ومقارنة بأداتي الاستمارة والمقابلة، ومرونة المنهجية وتعدد تسمياتها “منهجية، تقنية، طريقة”، والخطوط العريضة لتوظيفها في تحليل الكتب المدرسية، والفرق بين تحليل المضمون وتحليل الخطاب، وضوابط صياغة مؤشرات التحليل تفاديا للوقوع في التحليل الشخصي، ومعايير وشروط بناء وصياغة الاستمارات لتقليص هامش التضاد والخطإ، وتقنيات اكتشافه، وكيفية التعامل المنهجي مع الاستمارات، وحجم الإشكالية وكيفية صياغتها.

   وقد شكر الأستاذ المحاضر أصحاب التدخلات التي نوه بعمق صلتها بموضوع المحاضرة، فبخصوص الفرق بين المشكلة والإشكالية، لفت الانتباه إلى كون الأولى لها حل، والثانية ليس لها حل، وتُصاغ بأسئلة دقيقة وفروض أو بدونها حسب طبيعة البحث، موجها إلى جدولة الأسئلة التي تغطي مشكلة البحث، لِتتبُّع الجواب عنها عبر المسار البحثي. وعن إمكان وكيفية استخدام منهجية تحليل المضمون في الدراسات القانونية والإسلامية، أكد ضرورة توظيفها لتحليل النصوص القانونية والدينية، لافتقاد القراءةِ التحليلَ والتفسير.

   وتفاعلا مع الأسئلة المطروحة عن أداوات البحث، ألمع الدكتور أحمد أوزي إلى أهمية إدراك الظاهرة المدروسة لاختيار أدوات البحث المناسبة لدراستها، واعتماد معياري الثبات والصدق في بنائها وصياغتها، تقليلا من هوامش الوقوع في الخطإ، ونأيا عن الذاتية للتحلي بالموضوعية العلمية، بأن يصبح الباحث تلميذا نجيبا للظاهرة، غيرَ متسرع في إصدار الأحكام التفسيرية، وغير متحيز لاختياراته الإديولوجية، فمهنية وكياسة العالم أو الباحث تُوصل إلى الحقيقة. وفي سياق المقارنة بين الاستمارة والمقابلة نبه إلى كون الأخيرة – خاصة المباشرة- أفضل من حيث إمكان الحصول على بيانات مختلفة تلاحظُ من ملامح المقابَل وكلامه ولغة جسده، لكونه يُمثل مصدر خبرة، يتمتع بحرية في الإجابة عن أسئلة المقابلة.

  وتجاوبا مع سؤال مرونة منهجية تحليل المضمون وتعدد تسميتها في المحاضرة، مهد بأهمية العناية بالمفاهيم، وتأليف المعاجم، وذهب إلى ضرورة التدقيق في المكتوب أكثر من الخطاب الشفهي الذي يستلزم استعمال مرادفات لمزيد من التوضيح، وأبدى اتفاقه مع السائل. وفيما يرتبط بالفروق بين تحليل المضمون وتحليل الخطاب، ذكر أسبقية الأول على الثاني الذي تأثر بمذاهب البنيوية والشكلانية، وتغذى بجوانب لسْنِية. وأنهى المحاضر أحمد أوزي تفاعله مع أسئلة المتدخلين والمتدخلات بتجديد الشكر لأكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية على الدعوة الكريمة.

   وخُتم النشاط الافتتاحي لدورة مناهج البحث في نسخته الثانية بشكر الأستاذ المحاضر على محاضرته القيمة، وتفاعله الجيد، واللجنة المنظمة والتقنية، والتذكير ببرنامج الدورة يومي الاثنين والجمعة من كل أسبوع طيلة شهر رمضان المعظم، والحصة التأطيرية ليوم غد الجمعة 09 رمضان 1444هـ الموافق ل31 مارس 2023م.

Comments (0)
Add Comment