مناهج البحث في العلوم الشرعية – أصول الفقه نموذجا- (تقرير)

د. سعيد القحطاني

مناهج البحث في العلوم الشرعية – أصول الفقه نموذجا-

د. سعيد القحطاني

(أستاذ التعليم العالي بجامعة أبها بالمملكة العربية السعودية الشقيقة)

أعـد التقرير:

د.لطفي علواني

في إطار أنشطتها العلمية والبحثية؛ نظمت أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية فعاليات الدورة التكوينية في مناهج البحث العلمي والتربوي في نسختها الثانية بتأطير أكاديمي لأساتذة باحثين ومتخصصين في مجالي البحث العلمي والتربوي؛ وقد شهدت الدورة في يومها الرابع 14 رمضان 1444هـ الموافق 05 أبريل 2023م، محاضرة متميزة للدكتور سعيد القحطاني (أستاذ التعليم العالي بجامعة أبها بالمملكة العربية السعودية الشقيقة)، عبر تقنية التناظر عن بعد، وصفحة الأكاديمية على الفايسبوك، كما عرفت حضورا وازنا للأساتذة والباحثين بسلكي الماستر والدكتوراه من داخل المغرب وخارجه.

بعد افتتاح المحاضرة بآيات بينات من الذكر الحكيم للقارئ الدكتور خالد البورقادي، رحّب ميسّر الجلسة العلمية الدكتور حميد مسرار ترحيبا خاصا بفضيلة الدكتور سعيد القحطاني مبرزا مكانة المحاضر العلمية في مجال تخصصه من حيث مؤلفاته ومشاركاته العلمية وشواهده الأكاديمية، كما جدّد الترحاب بالحضور المتابع لفعاليات الدورة التكوينية، مذكرا بأهمية موضوع مناهج البحث في العلوم الشرعية، الذي أصبح تملك أدواته ضرورة ملحة في ظل ما تشهده بحوث الطلبة الباحثين من اختلالات بنيوية ومنهجية؛ الشيء الذي جعل الأكاديمية تجدد عهدها مع التكوين في هذا المجال، تساوقا مع ما تتغياه من تأهيل للطاقات الفكرية والتربوية الواعدة، وانسجاما مع مشروعها ورسالتها العلمية.

بعد ذلك فسح المجال لفضيلة الدكتور سعيد القحطاني، الذي عبّر بدوره عن امتنانه للأكاديمية وفرحه الشديد بمعاودة التواصل مع  الدكتورين خالد البورقادي وحميد مسرار، منوها بكريم دعوتهما؛ وملتمسا الأجر في عرضه الذي يستهدف من خلاله أصالة طلبة الدراسات العليا لمساعدتهم على تجاوز انزلاقات البحث العلمي، والوصول به إلى أجود حد ممكن؛ ثم قدّم المحاور الأساسية التي سيبسطها في مداخلته، وتشمل النقاط التالية:

  • مفهوم المنهج وأهميته.

  • أنواع مناهج البحث واستعمالاتها.

  • تصور المحاضر لهذه المناهج وكيفية استثمارها.

  • التمثيل لأصول الفقه واستمداد المنهج منه (مناهج المدارس الأصولية).

  • مجالات البحث الأصولية البكر والتي لم تتناول بعد.

استهل فضيلة الدكتور محاضرته بتعريف المنهج حيث قدّم مجموعة من التعريفات، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ أنّ المنهج ينتظم مجموعة عمليات وإجراءات متعلقة بالمضمون (المادة العلمية) وأخرى بالشكل (إخراج البحث وفق الطرق العصرية من حيث التبويب، الفصول، المباحث…). وقد أشار في سياق تعريفه إلى ضرورة وجود تصور واضح في ذهن الباحث، خاصة في اختيار عنوان البحث الذي أطلق عليه التهانوي في كتابه كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم “السمة”، مؤكدا على انسجام العنوان واستيعابه لمضمون البحث. أما في عصر النهضة الأوربية، فقد عُرّف المنهج على أنّه طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة. هذه المرحلة التي شهدت نشأة المنهج الاستدلالي مع أرسطو، والمنهج الاستنباطي الاستدلالي مع ديكارت، والمنهج الجدلي الحجاجي مع أصحاب منطق بور رويال الذين اعتبروا إعمال المنطق هو المنهج ذاته، فإذا كان المنطق هو عملية تقديم تصور عن شيء كان مجهولا يستتبع حكما لإزالة الشك والوصول إلى النتائج، فإن المنهج عندهم هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار للكشف عن حقيقة نجهلها أو للبرهنة عليها.

بعد ذلك تحدث المحاضر عن أهمية المنهج ودوره في حماية البحث من مزالق السفسطة وإقامة الدليل والحجج على الحقائق لدحض المغالطات و الشبهات، مبرزا في ذات السياق دوره في وضوح الرؤية وتجاوز الإشكالات خاصة تلك المتعلقة بفهم أنواع المناهج، وإدراك التداخل والتكامل بين بعضها البعض؛ فهي كما اعتبرها فضيلة الدكتور أمشاجا متداخلة ومرتبطة، وكأنها وحدة عضوية لا جزر متناثرة.

ثم انتقل إلى الحديث عن أنواع المناهج، مذكرا بالسبق الذي عرفه التراث الإسلامي في هذا المجال، حيث تضمنت مقدمات كتب مجموعة من الأعلام أنواع المناهج التي اعتمدوها في كتاباتهم أمثال، أبي الحسين البصري في المعتمد والغزالي في المستصفى وغيرهم…

ومن أنواع المناهج التي ذكرها المحاضر، ما ذهب إليه:

  • عبد الرحمن بدوي في كتابه “مناهج البحث العلمي”، و منها: ( المنهج الاستدلالي – المنهج التجريبي الذي ظهر مع بداية النهضة الأوربية – المنهج التاريخي الاستردادي، والذي اهتم به علماء مصطلح الحديث – المنهج الجدلي الحجاجي).

  • فريد الأنصاري رحمه الله في كتابه “أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، ومنها: (المنهج الوصفي، المنهج التوثيقي، المنهج الحواري، والمنهج التحليلي الذي يرتكز ابتداء على رصد معلومات ووصفها، مرورا بالنقد والتقويم، وانتهاء بالتركيب والتأليف).

وقد أكّد فضيلة الدكتور في معرض حديثه عن هذه الأنواع، أن السبب الرئيس لتعددها هو غياب التصور السليم لأنواع المناهج، الترادف بين بعضها فالوصفي هو التحليلي، وتنوع العلوم الذي أنتج تنوعا في المناهج. وحتى يتجاوز الباحث هذا التنوع الذي قد يشوش عليه بحثه، فعليه اعتماد منهج أصالة ومنهج بالتبع (كأن يعتمد دراسة وصفية تاريخية مثلا، فيكون المنهج الأساسي هو الوصفي والمكمل هو التاريخي).

وعن المنهج الذي اختاره المحاضر؛ فقد أسسه على مراحل ثلاث:

  • المرحلة الأولى: جمع المعلومات باعتماد المنهج الاستردادي التاريخي.

  • المرحلة الثانية: تحليل المعلومات ونقدها باعتماد مناهج أصول الفقه في الاستدلال، إنتاج مقدمات النتائج، السبر والتقسيم…

  • المرحلة الثالثة: تركيب المعلومات والتأليف.

أما عن الطرق التي اقترحها في التعامل مع النصوص التراثية، والتي لا يمكن أن ننفك عنها في البحث في العلوم الشرعية، فقد أجملها في:

  • القراءة التاريخية (حال المؤلف وظروفه الاجتماعية والسياسية…)

  • فقه اللغة الفيولولوجية (الكشف عن المعاني التي تبدو غير واضحة)

  • القراءة البنيوية ( قراءة النصوص بمعزل عن ملابسات أسباب ورودها)

  • القراءة التفكيكية ( التركيز على الكلمات والحروف وما تحمله من معاني دالة)

  • القراءة النفسية ( الظروف النفسية المؤثرة في الكتابات، الاعتناء بقصد المؤلف وليس ألفاظه).

وختم فضيلة الدكتور سعيد القحطاني محاضرته بذكر أهم البؤر البحثية (ويقصد بها المجالات البحثية) في أصول الفقه التي تحتاج إلى مزيد من النظر والتأمل والعناية البحثية، ومنها:

  • أسباب الخلاف الأصولي.

  • مجال الاستدراكات الصولية.

  • الدراسات الأصولية المعاصرة النقدية.

  • الفروق الأصولية.

  • القواعد والضوابط الفقهية.

  • الدراسات المصطلحية.

  • أصول الأقليات (فقه المهجر).

  • أثر المقاصد في فقه الأقليات.

  • أثر المقاصد في تنزيل الأحكام.

  • أثر الطبيعة البشرية (البيئات والظروف الاجتماعية…) في الكتابات الأصولية.

  • تحليل النصوص الأصولية رقميا.

  • استثمار قواعد أصول الفقه في الرد على الشبهات المثارة على مصادر التشريع.

  • أثر أصول الفقه في الصياغة وخاصة القانونية.

   بعد ذلك تدخل ميسّر المحاضرة الدكتور حميد مسرار مجدّدا شكره لفضيلة الدكتور سعيد القحطاني على محاضرته الماتعة، والتي تحتاج على تفصيل مجملها وبسط مادتها العلمية الدسمة ، داعيا الطلبة الباحثين إلى التأمل والنظر في المجالات البحثية التي طرحها الأستاذ المحاضر لعلها تكون بوصلة موجهة للكثيرين في بحوثهم  المستقبلية، ومنبّها في ذات السياق إلى بعض الانزلاقات المنهجية التي يقع فيها الباحثون، خاصة تلك المرتبطة بسرد كثير من المناهج  دون معرفة ماهيتها ودلالاتها مما ينعكس سلبا على منتوجهم البحثي، ويفقده الانسجام بين ما يذكر في المقدمة من أنواع المناهج التي يعتمدها الباحث، وبين المضمون الذي قد لا يوجد له فيه أثر وظيفي. ثم فتح الأستاذ الميسّر المجال للتفاعل مع الحضور الكريم؛ والذي عرف تفاعلا إيجابيا من طرف المشاركين من خلال مداخلاتهم الهادفة إلى بسط النظر والتحليل وقصد الاستبيان، كما قوبلت بأجوبة من طرف فضيلة الدكتور سعيد القحطاني زادت المحاضرة متعة وثراء فكريا ومنهجيا.

وفي الختام، جدّد د. سعيد القحطاني شكره لأكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية على الدعوة والمشاركة، كما نوّه بالتميز الذي تشهده المحاضرات المقامة في المغرب بلد المعرفة والعلم. ثم تناول الكلمة د.حميد مسرار مجددا بدوره شكره للدكتور المحاضر على ما جاد به في مداخلته من زاد معرفي ومنهجي قيّم للحضور، ولكل من ساهم في التأطير والإدارة، ومذكرا ببرنامج الدورة آملا أن تكون قد حققت القصد المتغيى منها.

Comments (0)
Add Comment