الاقتباس والتوثيق في الكتابة العلمية وسؤال الأخلاق (تقرير)

د. أحمد الفراك / د. عبد الرحيم موفق

الاقتباس والتوثيق في الكتابة العلمية وسؤال الأخلاق (تقرير)

تقرير الجلسة الرابعة من دورة ” مناهج البحث وتقنياته”

إعداد: البتول بلمودن
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه

 

في إطار دورة “مناهج البحث وتقنياته” التي تنظمها أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية خلال الشهر الجاري، كان الحضور الكريم مساء الأحد 17 أبريل 2022م على موعد  مع الجلسة العلمية الرابعة، في مداخلتين متميزتين من تقديم الأستاذين الفاضلين: الدكتور أحمد الفراك أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد الملك السعدي، و الدكتورعبد الرحيم موفق أستاذ التعليم العالي بجامعة المولى إسماعيل والكاتب العام لأكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية.

وقد استهل مدير الجلسة الأستاذ رشيد الوهابي عضو الأكاديمية الحديث، بعد الترحيب بالحاضرين مؤطرين ومشاركين، بالتذكير بسياق هذه الدورة التكوينية المندرجة ضمن البرنامج السنوي للأكاديمية التي تسعى لتحقيق التواصل وتمتين التعاون بين مختلف الكفاءات الفكرية والتربوية في مجال التأطير، وتتصدى لتأهيل واحتضان الطاقات الفكرية التربوية الواعدة.

كما تطرق ذ الوهابي لدواعي اختيار موضوع العلم والأخلاق الذي بات محط استشكال في الأوساط العلمية والمجتمعات البحثية في عصرنا هذا، بعدما كان التلازم بين العلم والخلق هو الأصل في تراثنا الإسلامي كما تشهد به تراجم وسير العلماء السابقين.

فجاءت هذه الجلسة مسك الختام لسابقاتها استجابة للحاجة الملحة للطلبة الباحثين إلى التكوين والتدريب تجويدا لممارستهم البحثية وتنضيجا لشخصيتهم العلمية والخلقية، من خلال محاولة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة والإشكالات  النظرية والعملية بخصوص أخلاقيات العلم وأنماط التوثيق وضوابط الاقتباس.

وهكذا تناول الكلمة الدكتور أحمد الفراك أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد الملك السعدي ليعرض مداخلته المعنونة ب: ” منهجيات الاقتباس والتوثيق في الكتابة العلمية“، حيث أكد على أهمية هذا الجانب العملي في ميدان البحث العلمي، وحض على كون التوثيق والاقتباس أمانة علمية هي من صميم الأخلاق.

ثم انطلق د الفراك من تعريف الاقتباس ”  نقل نصوص أو مفاهيم من مؤلفين أو باحثين آخرين” وبيان أنواعه ( مباشر أو غير مباشر وبصورة جزئية أو بإعادة صياغة) إلى تحديد ضوابطه (صدق وسلامة المنقول، استقصاء المادة رجوعا إلى أمهات المصادر والمراجع والدراسات السابقة) والتنبيه على المحاذير الواجب اجتنابها ( النصوص الطويلة، والنقول الكثيرة، والنقل بالواسطة)، توخيا للأمانة عند الأخذ والبلاغ كما يقتضي ذلك التعامل مع المجتمع العلمي، وكما يستوجب حفظ حق الملكية الفكرية للمؤلف وحق المتلقي في معرفة المصدر الحقيقي للمعلومة.

وقد عرض د الفراك بعد هذا لأشهر أنظمة التوثيق المستعملة عالميا شارحا لها بالأمثلة التوضيحية، ومبينا لأوجه التشابه والاختلاف بينها، فتناول أربعة طرائق هي: نظام جمعية اللغات الحديثة MLA المشهور في توثيق اللغات والفنون، ونظام شيكاغوChicago style الذي يستعمل كثيرا في العلوم الإنسانية والأديان، ونظام جمعية علم النفس الأمريكية APA المشهور في العلوم الإنسانية والاجتماعية والآداب والفلسفة، ونظام هارفارد Harvard systemالمعروف وإن كان غير مشهور عندنا في العلوم الإنسانية والإسلامية.

و خلص د الفراك إلى أن على الباحث اختيار إحدى هذه الطرق الأربعة المعروفة أو طريقة غيرها من وضع جماعة علمية معتبرة، بشرط الاقتصار على طريقة واحدة معينة يصرح باتباعها في المقدمة، ويلتزم بها في جميع البحث. كما ينبغي للباحث بذل جهده للتمكن من التوثيق والاقتباس لأهمية هذه الأمور التقنية في تجويد عمله البحثي و استحقاق كتابته لشرط العالمية.

وبعد هذه المداخلة الأولى استلم الكلمة مدير الجلسة ذ الوهابي شاكرا للأستاذ الفراك، ومقدما لصاحب المداخلة الثانية الدكتور عبد الرحيم موفق أستاذ التعليم العالي بجامعة المولى إسماعيل والكاتب العام لأكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية، الذي اختار لعرضه عنوان: “ البحث العلمي وسؤال الأخلاق“.

وقد انطلق د موفق من أهمية وحساسية المسألة العلمية في مواجهة المخاطر المحدقة بهوية الأمة وفي تحقيق شهودها الحضاري في عصر الصناعة المعرفية هذا، كما تنبهت لهذا مجموعة من منظمات البحث العلمي التي جعلت الإنتاج العلمي مقياسا لتقدم وتخلف الدول، ومعيارا لترتيب الجامعات ( جامعة شنجاي ومجلة تايمز مثلا). كما أكد أيضا على مركزية الأخلاق في الوصول الى المنتج العلمي الرصين لاسيما في عصر الرقمنة حيث كثرت السرقة والانتحال، مما جعل الدعوات تتزايد إلى تدريس أخلاقيات البحث في الجامعات إلى جانب مادة مناهج البحث.

وقد قسم د موفق مداخلته إلى محورين حاول من خلال أولهما التفصيل في سؤال الأزمة الأخلاقية التي يعيشها البحث العلمي، وحدد في المحور الثاني ضوابط وأخلاقيات البحث العلمي الكفيلة بالإسهام في تحقيق معيار الجودة.

وهكذا عرج د موفق بداية على بيان دلالات الأخلاق من خلال تناول مفهوم الخلق لغة واصطلاحا وتعريف علم الأخلاق “علم ينير الطريق لما ينبغي أن يكون”. ثم تطرق لمفهوم دلالات البحث العلمي وسيلة لتحصيل العلم باتباع خطوات منهجية مضبوطة.

وختم د موفق هذا المحور بتعريف أخلاقيات البحث العلمي” التحلي بجميع المثل والمبادئ الأخلاقية، مع تجنب الغش والتزوير وكل ما يسيء للبحث” وبيان أهمية الالتزام بها لتحقيق جودة المنتوج البحثي، وبخاصة في زمن الرقمنة والانفتاح والتضخم المعرفي وتأجج المنافسة على المناصب والبحث عن الترقيات.

وفي المحور الثاني تناول د موفق مجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي أن يتأسس عليها البحث العلمي في جميع مراحله بداية من اختيار الموضوع إلى إنهاء كتابته: ورأس هذه الأخلاقيات قصد التعبد بالبحث العلمي، ثم التزام الموضوعية، ومراعاة الأصالة ( بصمة الباحث)، وتحقيق الإبداع المتأتى بالقراءة الواسعة في موضوع البحث. وكذا ذكر د موفق من الأخلاقيات الضابطة للبحث العلمي الاتصاف باليقظة، وتجنب العشوائية، والتحلي بالتواضع، وممارسة النقد الهادف داخليا وخارجيا، واحترام عينة الدراسة في البحوث الميدانية، والتجمل بالصبر تنظيما وتأنيا، وختم بضابط الأمانة العلمية عند الاقتباس مبينا قواعد تحقيقها وكيفية الاحتراز من السقوط في السرقة العلمية، ومؤكدا على أهمية استحضار المبادئ الأخلاقية في الجانب العلمي.

وقد توجت هاتان المداخلتان القيمتان بفتح ذ الوهابي مسير الجلسة باب النقاش للحضور الكرام في حصة تفاعلية طيبة مع الأستاذين المؤطرين تساؤلا وإضافة وتقويما أجمع فيه المتدخلون على أهمية الدورة  وعظم الحاجة إليها.

Comments (0)
Add Comment