يسر أكاديمية الدراسات الفكرية والتربوية أن تقدم للقراء الكرام، باكورة إصداراتها ضمن سلسلة كتب ودراسات. مفتتحة هذه السلسلة بكتاب ماتع للكاتب الألمعي الدكتور عبد العزيز غوردو، وسمه بـ : “آخر العبيد، الرق في مغرب القرن العشرين: تفكك المنظومة“.
إنه كتاب يسلط الضوء على ملمح من فسيفساء التاريخ الاجتماعي والذهني للمغرب المعاصر، فيما يرتبط بمنظومة الرق وتجلياته خلال القرن العشرين، ويعرض ما انجلى منها من أشكال الخدمة الرسمية المخزنية، أو لدى الأعيان والعامة في تداولاتهم، كما يكشف ما اختفى منها في أجنحة الحريم السلطاني، أو كمن في ذهنيات المجتمع وعاداته. ويقارب كل ذلك من زاوية نظر قانونية، تبحث في النصوص والآليات التي أطرت مجتمع الرقيق، وكيف انتهت إلى التفكك والانحلال، وبقي منها ما بقي من رواسب وآثار.
والأكاديمية إذ تقدم هذا العمل العلمي المتميز، فهي تعد القارئ بغير قليل من متعة القراءة، لما امتاز به أسلوب المؤلف -وهو المؤرخ الروائي القانوني- من براعة أدبية ودقة منهجية؛ غير أنها لا شك ستكون متعة مشوبة بنوع من الحيرة والتساؤل عدم الاستقرار الذي يقتضيه موضوع مركب وملتبس كموضوع العبودية، إلى الحد الذي وصفه جوناثان براون صاحب كتاب “الإسلام والرق” بأنه معضلة، سواء من ناحية رصد طبيعة العبودية وأشكالها، أو من ناحية تقويمها السلوكي والأخلاقي. ونجد أنفسنا في النهاية متفقين معه في أن دراسة التاريخ بطبيعتها تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، حيث تبقى اليقينيات المتشكلة في الحاضر مهددة بدراسة التاريخ.
فشكرا للدكتور عبد العزيز غوردو على جهوده العلمية وعلى كريم تواصله وتعاونه مع الأكاديمية، وشكرا للمحكمين الذين استفرغوا وسعهم في قراءة العمل وتقويمه على ما هم عليه من ازدحام الأشغال والمهام. وشكرا لمدير مطبعة قرطبة على سماحته المعهودة وتعاونه المستمر. ونرجو لقرائنا الكرام قراءة ممتعة نافعة.