مقاصد الشريعة وضرورة إعادة الصياغة والتجديد

0 256

إن الذي يجعل من الشريعة الإسلامية نظاما تسير وفقه حياة الإنسان في كل عصر ومصر هو كونها شريعة متكاملة شاملة لكل جوانب الحياة. غير أن هذا الشمول والتكامل لا يعني إغلاق الباب في وجه العقل المسلم ومنعه الدخول في مضمار الاجتهاد والاستنباط. بل على العكس من ذلك تماما. ففي الشريعة مساحة شاسعة تتدخل فيها اجتهادات وتصورات المسلم لاستيعاب المتغيرات وإخضاع الحياة، في إطار القواعد الكلية للشريعة الإسلامية.

وعلم مقاصد الشريعة باعتباره وقوفا على غايات الأحكام الشرعية وعللها هو الذي ينبغي على رجالات العلم والفقه والفكر أن يجعلوه في مقدمة مهام الاجتهاد و التجديد، وإعادة التقويم. بمنهج وسط لا يقدس التراث ولا يسفهه. وذلك لمكانة علم المقاصد في الشريعة الإسلامية بحيث لا يمكن أن نفهم ونستوعب هذه الشريعة إلا في ظل مقاصدها. وتأتي أيضا أهمية إعادة النظر في علم المقاصد في إطار ما تعرفه الأمة الإسلامية من ركود وضعف وتشتت.

صحيح أن هناك انفتاح كبير في عصرنا على مقاصد الشريعة من قبل الباحثين والعلماء عبر المعاهد والجامعات والمنابر الفكرية والمؤسسات العلمية، انفتاح أنتج كما هائلا من الكتابات حول مقاصد الشريع لكنها كتابات لا تكاد تخرج عن كونها إحصاءات وتعريفات واجتهادات جزئية عمت العدد والترتيب. كتابات غابت عنها النظرة التجديدية التي تجعل في مقدمة منهجها الاجتهادي واقع الأمة في جوانبه الكبرى ومتطلباتها.

فعندما تحدث علماؤنا القدامى في علم المقاصد ورتبوها وأعطوها صيغتها الحفظية كان ذلك من منطلق واقع الأمة، فقد كان للإسلام حرمته وهيبته، كان لهم استقلال ودولة. فكانوا يحرصون رحمهم الله على حفظ واحتضان آخر ما بقي من عرى الإسلام. فتقرأ عندهم في معرض الحديث عن المقاصد حفظ كذا وحفظ كذ. فهنا نأتي إلى الضرورة الكبرى لإعادة النظر التجديدي في مقاصد الشريعة. بحيث أن ما كان يحرص على حفظه علماؤنا رحمهم الله في واقعهم التاريخي غاب بل انعدم في واقعنا الحالي، حيث اقتلع فيه الدين من جذوره، بل هو مهدد بالعدم إثر الغزو السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي.

فإذا كان علماؤنا رحمهم الله أسسوا علم المقاصد وأثلوا له وفق واقعهم التاريخي الذي عايشوه، في علاقة تأثرية بحركة الحياة العامة، أليس جدير بعلمائنا العاملين في عصرنا إعادة صياغة مقاصد الشريعة صياغة تراعي مطلوب واقع الأمة وأولوياتها. حتى يكون الدين كله لله، وحتى تتحقق مصالح المسلمين وضروريات حياتهم. أليس من الفتنة أن نسقط صور الماضي الغابر ووقائعه وأحداثه على واقع العصر لنعالجه بها؟ أليس في أمتنا عالم مجتهد يتخطى التراث النسبي المحدود في إطار تاريخه السياسي والاجتماعي والمذهبي، ليجلس أمام المنبر النبوي ينهل من الوحي غضا طريا؟ ” وذلك بقراءة وفهم وتدبر ينطلق من الجمع بين القراءتين، قراءة الوحي وقراءة الكون”[1].

نعم قد ذهب بعض الباحثين نحو فضاء فسيح عند حديثهم عن مقاصد الشريعة، منطلقين في ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية، غير متجمدين لرؤية الشاطبي ومقلديه. فحاول هذا البعض أن يبدع من هذا المنطلق ويأتي بالجديد في ميدان المقاصد، فأضافوا إلى مقاصد الشريعة مقاصد أخرى كالحرية والعدل والأمن والعمران، وجعل أحدهم مقاصد الشريعة واختصرها في ثلاث مقاصد “التوحيد و التزكية و العمران”. غير أن هذه الإضافات وهذه المقاصد الجديدة كلها تندرج وترجع إلى كلية من كليات المقاصد التي  جاء بها القدماء. وحتى وإن قلنا جدلا أن الحرية والعدل والعمران وغيرها مما أضافه المعاصرون مقاصد من مقاصد الشريعة، فهل سنتحدث عنها بصيغة: حفظ الحرية وحفظ العدل… أم نقول مطلب الحرية ومطلب العدل ومطلب وحدة الأمة…، فتتحول الصيغة من الحفظية إلى المطلبية ونقول ” مطالب الشريعة”؟

فالقدامى تحدثوا عن حفظ الكليات لأنها كانت موجودة اصلا.

[1]  طه جابر العلواني “مقاصد الشريعة” ص 135

Leave A Reply

Your email address will not be published.