مقاربة نقدية لجدلية العلاقة بين علم الكلام وأصول الفقه “صفة كلام الله تعالى نموذجا”

مقاربة نقدية لجدلية العلاقة بين علم الكلام وأصول الفقه “صفة كلام الله تعالى نموذجا”

0 95

مقاربة نقدية لجدلية العلاقة بين علم الكلام وأصول الفقه

“صفة كلام الله تعالى نموذجا”

د. عبد  الرحيم موفق

مقدّمة:

    يتميز تراثنا الإسلامي بتنوع علومه وغناها، ومن بين أهم العلوم التي ميزت الفكر الإسلامي نجد: علم الكلام وعلم أصول الفقه،  ومع أن كلا منهما أحدث لمقاصد خاصة، فإنهما ما لبثا أن تداخلا، فإذا كان منهج المتقدمين من الأصوليين قبل القرن الرابع الهجري مقتصرا على استقراء النصوص وقوانين اللغة، فإن المتكلمين أقحموا قوانين المنطق وقضايا علم الكلام والفلسفة في مدوناتهم الأصولية، مما جعل هذا العلم ميدانا خصبا للمناظرات الكلامية المجردة، إذ ولع كثير من الأصوليين بتشقيق القضايا وتفريع المسائل حتى وإن انقطعت صلتها بواقع الاجتهاد الفقهي العملي.

وفي هذا السياق ارتأيت دراسة جانب من التراث الأصولي الزاخر لمدرسة المتكلمين الأصولية انطلاقا من تتبع الخلاف الكلامي في مسألة كلام الله تعالى التي كثر النقاش فيها حتى قيل: إن مسألة الكلام حيرت عقول الأنام، ثم البحث عن امتدادات هذه المسألة في الجانب الأصولي الفقهي للوقوف على مدى انعكاس الخلاف العقدي على المباحث الأصولية، تجليةً لارتباط الفرع بأصله، وتأصيلاً للخلاف الأصولي بمبناه العقدي.             

أولا: إشكالية البحث

يثير هذا البحث جدلية العلاقة بين علمي الكلام والأصول، ويناقش أثر الخلاف الكلامي في المباحث الأصولية انطلاقا من دراسة الخلاف بين المتكلمين في صفة كلام الله تعالى، وتتبع أثر هذا الخلاف في المباحث الأصولية.

ثانيا: أهداف البحث

يسعى هذا البحث إلى تحقيق مجموعة من الأهداف نذكر من بينها:

  • تحديد الإطار التاريخي للتداخل بين علم الكلام وعلم أصول الفقه.
  • دراسة العوامل والأسباب التي أنتجت هذا المزج بين المباحث الكلامية والأصولية.
  • إبراز ارتباط علم أصول الفقه بعلم العقيدة، من خلال بيان ارتباط بعض المسائل الأصولية بمسألة كلام الله تعالى.
  • دراسة بعض المباحث الأصولية المتفرعة عن الخلاف الكلامي في صفة كلام الله تعالى.

ثالثا: منهج البحث

إن هذا البحث يقتضي مقاربة منهجية تجمع بين:

  • المنهج الاستقرائي، ويتمثل في تتبع جزئيات الموضوع ومفرداته في كتب الكلام والأصول.
  • المنهج الوصفي التحليلي، ويتجلى في عرض أقوال الأصوليين وأدلتهم ومناهجهم في دراسة المسائل الخلافية مع قراءة تحليلية لها.

الفرع الأول: عوامل التداخل بين علم الكلام وأصول الفقه.

قبل الحديث عن عوامل التداخل بين العلمين لابد من مقاربة تاريخية للمرحلة التي من خلالها بدأ المتكلمون من مختلف الفرق الكلامية يهتمون بالفكر الأصولي، بل وجعلوه ميدانا لمناظراتهم وسجالاتهم.

أولا: لمحة تاريخية عن هذا التداخل

نشأ علم الكلام قبل علم أصول الفقه، لأن تدوين هذا الأخير لم يبدأ إلا مع رسالة الإمام الشافعي رحمه الله (توفي:204هـ)، في حين نجد القضايا الكلامية برزت بشكل مبكر، فالمعتزلة تمكنوا من السيطرة على الساحة الفكرية في الخلافة العباسية منذ عهد المأمون (توفي: 170هـ)، ويبدو أن كثيرا من المسائل الكلامية أدمجت في علم أصول الفقه بدءاً من هذه المرحلة، ويمكن تصنيف مراحل هذا التداخل إلى ثلاث مراحل رئيسة، وهي:

أ – المرحلة الأولى: إدماج بعض القضايا الكلامية في أصول الفقه   

شهدت بداية القرن الثالث الهجري نموا متزايدا للتيارات الكلامية في الواقع الإسلامي عامة، وخصوصا المدرسة الاعتزالية التي اهتمت في وقت مبكر بالمباحث الأصولية، وهذا ما نقف عليه جليا عند بعض رواد الفكر الاعتزالي أمثال:

– بشر بن غياث المريسي (توفي:218هـ) الذي كانت له جملة من الآراء الأصولية بناها على مذهبه الكلامي، كقوله بتأثيم المجتهدين في فروع الشريعة متأثراً في ذلك بمذهبه الكلامي، إذ الحق عنده واحد ولا يتعدد، فإن أصابه المجتهد كان مثابا، وإن أخطأه كان آثما.[1]

– إبراهيم بن سيار النظام (توفي:231هـ) الذي نفى حجية الإجماع والقياس، حسب ما نقله عنه  البغدادي في الفرق بين الفرق:”ثمَّ إنه استثقل أحكام شريعة الإسلام في فروعها، ولم يجسر على إظهار رفعها فأبطل الطّرق الدَّالّة عليها، فأنكر لأجل ذلك حجّة الإجماع وحجّة القياس في الفروع الشرعية.”[2]

– أبو الهذيل العلاف (توفي:235هـ)  الذي كان يرى أن القياس لا يسمى دينا، لأن اسم الدين يقع على ما هو ثابت مستمر، والقياس ليس كذلك.[3]

ب- المرحلة الثانية: توطيد العلاقة بين العلمين

وهي المرحلة الممتدة من منتصف القرن الثالث إلى بداية القرن الرابع الهجري، حيث ظهرت الفكرة الأشعرية منبثقة من رحم الفكرة الاعتزالية ومصححة للكثير من تجاوزاتها، هذه المعارضة دفعت المعتزلة إلى الرفع من مستوى مباحثهم وحججهم، وقد أدركوا أنه لا بد من المواجهة والأخذ بكل ما من شأنه تقويض المد الأشعري ومحاصرته في كل صنوف المعرفة وخاصة مجال أصول الفقه، فقد استهواهم البعد العقلي والجانب التأسيسي في القواعد التي صاغها الإمام الشافعي مما دفعهم إلى الاهتمام بدراسة القواعد الأصولية بناءً على أصولها العقدية والتصنيف فيها:

– فأبو علي الجبائي (توفي:303هـ) شيخ المعتزلة في زمانه، آراؤه الأصولية مبثوثة في بطون عدد من المؤلفات، وكان مرجعا لأكبر الأصوليين كابن فورك (توفي:403هـ)، والقاضي عبد الجبار (توفي:415هـ)،[4] وقد نقل لنا أبو الحسين البصري (المتوفى:436هـ) في كتابه المعتمد جملة من تلك الآراء الأصولية.[5]

– وابنه أبو هاشم الجبائي (توفي:321 هـ) ألَّف العدّة في أصول الفقه، وتراثه الأصولي تدارسه عدد من الأصوليين كالجويني (توفي:478هـ)، والغزالي (توفي:505هـ)، والآمدي (توفي:631هـ). [6]

– أبو الحسن الأشعري (توفي:324هـ) تلميذ الجبائي في بداياته، ومؤسس المذهب الأشعري عزّز مذهبه الكلامي بعدد من الاختيارات الأصولية، فألَّف الاجتهاد في الأحكام، ومسائل في إثبات القياس، وغيرها من المؤلّفات الأصولية المفقودة، وقد وصلتنا جملة من آرائه الأصولية جمعها ابن فورك في كتابه مقالات الأشعري، وأغلبها آراء قامت على أصول أشعرية.[7]

– أبو منصور الماتريدي (توفي:333هـ) الذي ألف في الأصلين معا، ففي أصول الدين ألَّف: التوحيد، وفي أصول الفقه ألَّف: مآخذ الشرائع، حيث اعتمد على الموروث الكلامي لأبي حنيفة في الفقه الأكبر.[8]

وعموما يمكن القول أن بداية القرن الرابع الهجري شهدت توطدا للعلاقة بين العلمين فخرجت تلك العلاقة في أن تكون غير محددة في معالمها إلى علاقة واضحة المعالم.

 ج- المرحلة الثالثة: الدمج الكامل للمسائل الكلامية في أصول الفقه.

وتمتد هذه المرحلة من حوالي منتصف القرن الرابع الهجري إلى أوائل القرن الخامس الهجري حيث غدا الكلام والأصول علمين متداخلين مباحث ومناهج، وهو ما أشار إليه الشيخ مصطفى عبد الرزاق بقوله:”إن المتكلمين منذ القرن الرابع الهجري وضعوا أيديهم على علم أصول الفقه، وغلبت طريقتهم فيه طريقة الفقهاء، فنفذت إليه آثار الفلسفة والمنطق، واتصل بهما اتصالًا وثيقًا.”[9]

وعن هذه المرحلة يحدثنا الإمام الزركشي قائلا:”حتى جاء القاضيان: قاضي السنة أبو بكر بن الطيب، وقاضي المعتزلة عبد الجبار، فوسعا العبارات، وفكّا الإشارات، وبينا الإجمال، ورفعا الإشكال، واقتفى الناس بآثارهم، وصاروا على منوالهم، فحرروا وقرروا وصوبوا وصوروا فجزاهم الله خير الجزاء.”[10]

وفي نسبة القاضيين لمذهبهما الكلامي دليل وإشارة لهذا الأثر المذهبي الكلامي في أصول الفقه، كما أن ما يحتاج لتوسيع العبارات وفك الغموض والإشكال هي المسائل الكلامية، أما الأصولية فلم تكن بنفس الدرجة من الغموض، بل كانت واضحة للمشتغلين بهذا العلم مثل:(الخصوص، والعموم، والإجماع، والقياس.)

ويرى الدكتور أحمد الريسوني أن التحول الذي يشير إليه الزركشي يصدق على الباقلاني (توفي:403هـ) أكثر من غيره، نظرا لكونه متقدما على القاضي عبد الجبار (توفي:415هـ)، كما أنه توسع في أصول الفقه أكثر منه بكثير.[11]  وهو ما  يشاطره الدكتور مصطفى سانو بقوله:” تأكدت هذه العلاقة أكثر فأكثر عند الإمام الباقلاني الذي يعد المنظر الثاني للفكرة الأشعرية بعد الإمام الأشعري، كما يعد الشخصية الأصولية الثانية بعد الإمام الشافعي،… وقد ترك آثارا عميقة وبصمات واضحة في علم الأصول وفي علمائه من بعده، وغدا الكثير منهم إن لم يكونوا كلهم عالة على مؤلفاته الأصولية الثمينة.”[12]

وعموما يمكن اعتبار القاضيين معا المؤسسين الفعليين لمدرسة المتكلمين الأصولية، نظرا لكون ما ألف بعدهما في أصول الفقه حافل بآرائهما وأدلتهما في القواعد الأصولية، مما يعني أن هؤلاء الأصوليين اعتبروهما مرجعين رئيسين في هذا الباب.

ثانيا: عوامل التدخل بين العلمين

هذا المطلب خصصته للحديث عن العوامل والأسباب التي دفعت المتكلمين للاشتغال بعلم أصول الفقه، وصبغ مسائله بصبغة كلامية تجريدية محضة، وهذه الأسباب يمكن إجمالها في العناصر التالية:

أ: طبيعة الصراع الفكري القائم بين المذاهب الكلامية

هذه المواجهة خصوصا بين التيارين الكبيرين المعتزلة والأشاعرة كانت تقتضي استغلال كل ميدان من ميادين العلم لنصرة المذهب الكلامي، والتقعيد له في الأصول والفروع، ليبدو أكثر انسجاما واتساقا، وقادرا على الإقناع والإثارة أكثر من غيره، كما أن دواعي النظر الكلامي المرتبطة بالعمل على حفظ العقيدة ستنتقل الى الجانب الاصولي وهذا ما ألمح اليه الشاطبي بقوله:” إن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن الخلاف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية.”[13] لذلك وجدنا ساحة المتكلمين دائما تتميز بتلك الثنائية بين قطبين كبيرين واحد معتزلي والآخر أشعري: كالجبائي (ت:303هـ) والأشعري(ت324هـ) – الباقلاني (ت:403هـ) وعبد الجبار (ت:415هـ)

ب: طبيعة علم أصول الفقه النظرية

فعلم أصول الفقه يتسم بطابع نظري أكثر منه تطبيقي، وأعطى الأولوية لتقرير القواعد الأصولية العامة للاستنباط والتأصيل والتعليل، هذا الاتجاه النظري فسح المجال الأوسع للآراء والمواقف الأصولية المختلفة في أشكالها الجدلية والنزاعية، الأمر الذي استهوى المتكلمين كما يؤكد ذلك الشيخ أبو زهرة رحمه الله استهوى نظار المسلمين من مختلف المذاهب الكلامية، لما وجدوا فيه من اتفاق مع دراستهم العقلية ونظرهم إلى الحقائق بتجريدية أكبر، فأقحموا مسائل علم الكلام في الأصول.[14]

كما كان لهذه الطبيعة النظرية كما يؤكد الأستاذ الحسان الشاهد دور في ظهور الخطاب النقدي في علم أصول الفقه بقصد مراجعته، وذلك على مستويين:

  • الأول: تقويم النظر في اعتماد بعض الآليات النقدية المناسبة في الحجاج والاستدلال الأصولي كالاعتراضات والافتراضات والقياسات.
  • الثاني: تمحيص المعرفة الأصولية وتمييزها عن غيرها بتجريدها من كل ما هو دخيل عنها.[15]

ج- تشابه المنهج

إن الناظر الفحيص في العلمين معا يتبين له ذلك التشابه بينهما من حيث طريقة البحث والاستدلال، ووحدة النسق الفكري القائم على تحرير محل النزاع، ومناقشة أدلة الخصوم، وتوظيف الحجج النقلية والعقلية والمنطقية، يقول مصطفى سانو” علم أصول الفقه استهوى الكثير من علماء الكلام معتزلة وأشاعرة، إذ أنه يتمشى مع ميولهم العقلية وطرقهم النظرية والاستدلالية، فوجدوا فيه مجالا لإشباع اتجاهاتهم العلمية، فأبدعوا في تطوير علم الأصول موضوعا، وأكثروا من التأليف فيه، وأوسعوا مجال البحث والجدل في قضاياه.”[16]

د: غلبة الكلام على طباع المؤلفين في أصول الفقه

فعلم الكلام يحتل الصدارة بين العلوم الدينية، وعلم الأصول علم جزئي متفرع عنه، لذلك نجد الأصولي يستمد من علم الكلام، وهذا ما أشار إليه علاء الدين الحنفي بقوله:” اعلم أن أصول الفقه فرع لأصول الدين، فكان من الضروري أن يقع التصنيف فيه على اعتقاد مصنف الكتاب.”[17]

وهذا ما أشار إليه الغزالي رحمه الله بقوله:”وإنما أكثر فيه المتكلمون من الأصوليين لغلبة الكلام على طبائعهم فحملهم حب صناعتهم على خلطه بهذه الصنعة، كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول، فذكروا فيه من معاني الحروف ومعاني الإعراب جملا هي من علم النحو خاصة، وكما حمل حب الفقه جماعة من فقهاء ما وراء النهر كأبي زيد رحمه الله وأتباعه على مزج مسائل كثيرة من تفاريع الفقه بالأصول، فإنهم وإن أوردوها في معرض المثال وكيفية إجراء الأصل في الفروع فقد أكثروا فيه.”[18]

وهو ما أكده الطوفي بقوله:” العالم بأصول الفقه دون فروعه، ككثير من الأعاجم تتوفر دواعيهم على المنطق والفلسفة والكلام، فيتسلطون به على أصول الفقه، إما عن قصد، أو استتباع لتلك العلوم العقلية، ولهذا جاء كلامهم فيه عريا عن الشواهد الفقهية المقربة للفهم على المشتغلين، ممزوجا بالفلسفة، حتى إن بعضهم تكلف إلحاق المنطق بأوائل كتب أصول الفقه، لغلبته عليه. واحتج بأنه من مواده، كما ذكر في صدر هذا الشرح، فتركوا ما ينبغي، وذكروا ما لا ينبغي.”[19]

فلو نظرنا فيمن ألف في أصول الفقه من طبقات متعددة، لوجدنا لأكثرهم مؤلفاً أو أكثر في الكلام، فمن ذلك :

  • ألف القاضي أبو بكر الباقلاني كتاباً في أصول الفقه سماه التقريب، وله في علم الكلام: الإنصاف، والتمهيد .
  • وللجويني البرهان في أصول الفقه، وله في الكلام: الشامل، والإرشاد، ولمع الأدلة، والعقيدة النظامية.
  • وللغزالي المستصفى، والمنخول في أصول الفقه، وله في الكلام: الاقتصاد، وقواعد العقائد.
  • وللرازي المحصول والمعالم في أصول الفقه، وله في الكلام: أساس التقديس، ونهاية العقول.

واللائحة تطول، ولذلك يكثر عزو كثير منهم إلى كتبه الكلامية أثناء بحثه لمسألة أصولية معينة.

الفرع الثاني:  كلام الله تعالى عند الفرق الكلامية

تعد مسألة كلام الله تعالى من بين أهم المسائل الكلامية التي أثارت جدلا ونقاشا كبيرا في الساحة الفكرية الإسلامية وصلت درجة المصادرة والمحاكمة على الرأي، خصوصا إبان سيطرة الفكر الاعتزالي على الساحة العلمية خلال حكم الدولة العباسية، حيث أثيرت بحدّة مسألة خلق القرآن، وكانت سببا في المحنة الشهيرة التي تعرض لها الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السنة، وهذا الفرع هو محاولة لعرض تصور كل اتجاه كلامي لمسألة كلام الله تعالى، وبسط الأسس التنظيرية التي بنى عليها موقفه.

أولا: كلام الله تعالى عند المعتزلة

ترجع جذور تسمية هذه الفرقة إلى اعتزال واصل بن عطاء (توفي:131هـ) حلقة شيخه الحسن البصري إثر الخلاف معه حول منزلة الفاسق، يقول الإسفراييني: “سموا بهذا الاسم لاعتزالهم مجلس الحسن البصري (توفي: 110هـ) واعتزالهم قول المسلمين.”[20]وكان أول من سماهم بالمعتزلة قتادة بن دعامة السدوسي (توفي:118هـ)، ويروى أنه:” وهو أعمى كان يدور البصرة أعلاها وأسفلها بدون قائد، فدخل مسجد البصرة فإذا بعمرو بن عبيد ونفر معه، فقصدهم وهو يظن أنها حلقة الحسن البصري، فلما عرف أنها ليست هي، قال: إنما هؤلاء المعتزلة، ثم قام عنهم فيومئذ سموا بالمعتزلة.”[21]

ومن المسائل التي خالف فيها المعتزلة أهل السنة مسألة كلام الله جل وعلا، فهم يعتبرونه أصواتا وحروفا يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي وهو حادث، بحيث أنه صدر لأول مرة من ذلك المخلوق لا منه سبحانه، ويستحيل عندهم أن يقوم بالله كلام، وقد وافقهم الجهمية في ذلك، يقول القاضي عبد الجبار:” والذي يذهب إليه شيوخنا أن كلام الله عز وجل من جنس الكلام المعقول في الشاهد، وهو حروف منظومة وأصوات مقطعة.”[22] أما معنى كونه سبحانه متكلما أي أنه فاعل للكلام، وذلك صفة فعلية لا صفة نفسية، والصفة الفعلية هي كل ما لم يكن فكان، وكل ما لم يثبت فثبت.

واستدلوا بالعقل والنقل:

  • فمن العقل: الكلام لا محالة مشتمل على أمر ونهي وخبر واستخبار ونحوه، وهو إما أن يكون قديما أو حادثا، فإن كان قديما أفضى إلى إثبات قديمين وهو ممتنع، ثم إنه يفضي إلى الكذب في الخبر من قوله تعالى:(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ( (نوح:1) وقوله تعالى:)وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ( (البقرة:54)، ونحو ذلك من حيث إن الخبر قديم والمخبر عنه محدث، ويلزم منه أن يكون مأمور ومنهي، وأمر ونهي، وخبر واستخبار، ولا مأمور ولا منهي، ولا مستخبرا عنه، وذلك كله ممتنع، وإن كان حادثا لزم أن يكون الرب تعالى محلا للحوادث وهو محال.[23]
  • ومن النقل ما يدل على أنه فعل الله تعالى ما ورد به التنزيل من قوله تعالى:)مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ((الأنبياء:2) وقوله سبحانه:)وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ((الأحزاب:37) وقوله عز وجل: )إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا((الزخرف:3)، وقد وردت الظواهر من الكتاب والسنة تدل على كونه مسموعا وملموسا وأنه بحرف وصوت، فمن ذلك قوله سبحانه:)وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ((التوبة:6) وقوله عز وجل:)لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُون ( (الواقعة:79)، وقوله :”لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فتناوله أيديهم.”[24] إلى غير ذلك من السمعيات.[25]

ثانيا: كلام الله تعالى عند الماتريدية

تنتسب هذه الفرقة إلى أبي منصور الماتريدي من كبار علماء أهل السنة، اشتهر بالرد على أهل الأهواء والبدع خاصة المعتزلة والجهمية، ونصر عقيدة أهل السنة والجماعة بالعقل والنقل، وينتسب إليه غالبية أتباع المذهب الحنفي،[26] وقد ميز الماتريدية بين نوعين من الكلام:

  • النوع الأول: نفسي وهو المعنى القائم بالذات، وهو ليس من جنس الحروف والأصوات.
  • النوع الثاني: مؤلف من الحروف والأصوات وهذا مخلوق وحادث، قال أبو منصور:” ويجوز القول بما يسمع من الخلق كلام الله على الموافقة كما يقال في الرسائل والقصائد والأقاويل دليله أن ذلك خلق من الخلق، ولا يحتمل أن يكون الله بذاته متكلما مع ما لا يخلو أن يكون المسموع عرضا…فإن قال قائل هل أسمع الله كلامه موسى حيث قال: )وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا((النساء:164) قيل: أسمعه بلسان موسى، وبحروف خلقها، وصوت أنشأه، فهو أسمعه ما ليس بمخلوق.”[27]

  ثالثا: كلام الله تعالى عند الأشاعرة      

الأشاعرة فرقة سنية تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، وتنتهج أسلوب أهل الكلام في تقرير العقائد والرد على المخالفين، وقد صرح الإمام الأشعري رحمه الله في مقدمة إبانته أنه على مذهب السلف، وأنه يقول بما قال به إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، جاء في الإبانة:” إن كلام الله غير مخلوق، وأنه سبحانه لم يخلق شيئا إلا وقد قال له كن، كما قال عز وجل: )إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ((النحل:40).”[28] وعقد بابا خاصا لإثبات ذلك، ولم يميز بين الكلام النفسي وبين الحروف والأصوات، فالكل عنده قديم غير مخلوق وهو كلام الله.

أما متأخرو الأشاعرة كالجويني والغزالي وغيرهم، فقد تبنوا نفس ما ذهب إليه أبو منصور الماتريدي وميزوا بين الكلام النفسي وغيره من الأصوات والحروف، فالأول قديم والثاني حادث، قال الجويني في الإرشاد:”الكلام النفسي هو الفكر الذي يدور في الخلد، وتدل عليه العبارة تارة وما يصطلح عليه من الإشارات ونحوها، وإذا رددنا إلى إطلاق أهل اللسان عرفنا قطعا أن العرب تطلق كلام النفس على القول الدائر في الخلد، وتقول كان في نفسي كلاما وزورت في نفسي كلاما.”[29]

خلاصة المسألة

من خلال النقول السابقة يتبين أن الأمة مجمعة على إثبات صفة الكلام لله تعالى، فقد تواتر النقل عن الأنبياء عليهم السلام أنه تعالى متكلم مع القطع باستحالة التكلم من غير ثبوت صفة الكلام، وهذا القدر من الاتفاق لا خلاف لأحد من المسلمين فيه، ثم إن المعتزلة فسروا هذا الذي أجمع المسلمون على إثباته بأنه أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ والنبي…، ولم يثبتوا شيئا وراء هذه الأصوات والحروف تحت اسم الكلام.

أما جمهور الأشاعرة والماتريدية فإنهم يوافقون المعتزلة في هذا، غير أنهم أثبتوا شيئا زائدا على ذلك وهو الكلام النفسي القائم بذاته سبحانه الذي يعبر عنه بالألفاظ، وهي صفة قديمة غير العلم والإرادة يخاطب بها سبحانه الآخرين على وجه الأمر أو النهي أو الإخبار، وتدل عليها الألفاظ، وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى ضرورة استحالة توارد الخواطر وطروء المعاني عليه كما هو شأن الإنسان.

وقد أشار لهذا الفرق بين المعتزلة وباقي الفرق الكلامية عضد الدين الإيجي رحمه الله بقوله:” قالت المعتزلة أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي وهو حادث، وهذا لا ننكره لكنا نثبت أمرا وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس، ونزعم أنه غير العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة والأقوام، بل قد يدل عليه بالإشارة والكتابة، كما يدل عليه بالعبارة، والطلب واحد لا يتغير…فإذا هو صفة قائمة بالنفس، ثم نزعم أنه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى.”[30]

الفرع الثالث:  الخلاف في كلام الله تعالى، وأثره في المباحث الأصولية

لا شك أن ذكر بعض المسائل الكلامية ضمن مباحث أصولية بحتة جاء نتيجة اشتغال المتكلمين بأصول الفقه، وما تمتاز به طريقة هؤلاء من التوسع في الاستدلال العقلي، واستحضار بعض القضايا الكلامية كلما اقتضت المناسبة ذلك.

ومن هذا المنطلق سأتناول في هذا الفرع بعض المسائل الأصولية المتفرعة عن الخلاف في مسألة كلام الله تعالى، مع ردها إلى أصولها الكلامية، وبيان صلتها بالخلافيات.

أولا: حد الحكم الشرعي

جرَّ الحديث عن الحكم الشرعي الأصوليين إلى الخوض في مسائل كلامية معقدة بناءً على تحديد مفهوم الحكم الشرعي عند كل فريق، ومن أهم أسباب الخلاف بين الأصوليين إدراج كلمة الخطاب في حدِّ الحكم الشرعي، لتباينهم في مفهوم الخطاب هل يستدعي وجود المخاطب أم لا؟ فكثرت التعريفات، والاستدراكات والانتقادات حسب ما يقتضيه الموقف العقدي لكل فريق من مسألة كلام الله جل وعلا.

أ: الخلاف الأصولي

الحكم الشرعي عند المعتزلة كما عرفه أبو الحسين البصري رحمه الله هو:” ما رجع أهل الشريعة في العلم به إلى الشريعة، إما بأن يستدلوا عليه بأدلة شرعية مبتدأة، أو بإمساك الشريعة عن نقله، فكل ما سلك الفقهاء فيه هذا المسلك فهو حكم شرعي، وما لم يسلكوا فيه هذا المسلك لا يسمى حكما شرعيا.”[31] فالحكم الشرعي عندهم عام يشمل النصوص الشرعية، وفتاوى المفتين، واجتهادات القضاة، كما يشمل الأحكام العقلية التي سكتت الشريعة عن نقلها.

أما الأشاعرة فقد أدخلوا مصطلح الخطاب في حد الحكم الشرعي، ومن ذلك تعريف الرازي رحمه، حيث قال:”إنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو المنع.”[32] وهو ما دفع المعتزلة للاعتراض عليهم من وجوه عدة أذكر من بينها:

  • إن الخطاب يستدعي مخاطبا، والمخاطب هم المكلفون من الآدميين، ولا مدلول عليه بدليل قاطع سوى النطق المركب بالحروف والأصوات، فإذن لا يعقل خطاب لا مخاطب به، كما لا يعقل علم لا معلوم له، وقتل لا مقتول له، ويستحيل أن يخاطب من لا يسمع الخطاب، ولا يعرفه بدليل قاطع، وهذا يستلزم حدوث الحكم.
  • حكم الله تعالى على هذا التقدير خطابه، وخطاب الله تعالى كلامه، وكلامه عندكم قديم فيلزم أن يكون حكم الله تعالى بالحل والحرمة قديما، وهذا باطل من ثلاثة أوجه:

الأول: أن حل الوطء في المنكوحة، وحرمته في الأجنبية صفة فعل العبد، ولهذا يقال هذا الوطء حلال أو حرام، وفعل العبد محدث وصفة المحدث لا تكون قديمة.

الثاني: إنه يقال هذه المرأة حلت لزيد بعدما لم تكن كذلك وهذا مشعر بحدوث هذه الأحكام.    الثالث: أننا نقول المقتضى لحل الوطء هو النكاح أو ملك اليمين، وما كان معللا بأمر حادث يستحيل أن يكون قديما، فثبت أن الحكم يمتنع أن يكون قديما، والخطاب قديم، فالحكم لا يكون عين الخطاب.[33]

وقد رد الأشاعرة على الاعتراضات الاعتزالية التي ألزمتهم القول بحدوث الحكم الشرعي نتيجة إدراجهم كلمة الخطاب في حد الحكم الشرعي، من وجهين:

  • الأول: الحادث هو تعلق المكلف بالحكم لا الحكم في حد ذاته، فإذا قلنا: حلت هذه المرأة لفلان بعد أن لم تكن حلالا، فمعناه أن تعلق العبد بوصف الحلِيَّة حادث، وهذا ما أشار إليه الرازي بقوله:” قلنا حكم الله تعالى هو قوله في الأزل أذنت للرجل الفلاني حين وجوده في كذا، فحكمه قديم ومتعلق حكمه محدث.”[34]
  • الثاني: يجوز إدخال كلمة الخطاب في حد الحكم لأن” الكلام يوصف بأنه خطاب دون وجود مخاطب، ولذلك أجزنا أن يكون كلام الله في أزله وكلام الرسول في وقته مخاطبة على الحقيقة، وأجزنا كونه أمرا أو نهيا.”[35] قال ابن السبكي:” إذا سمينا ما يحصل إسماعه خطابا فلا يخرجه ذلك عن كونه قديما على أصلنا في جواز إسماع الكلام القديم.”[36]

ب: الثمرة  الفقهية لهذا الخلاف

يبدو أن الخلاف في هذه المسألة لا ينبني عليه أثر فقهي، قال عبد الرحيم الأسنوي بعد ما عرف الحكم الشرعي:” والأولون تكلفوا في إدخال هذه الأشياء في الحد.”[37] وقال الشوكاني رحمه الله:” وتطويل الكلام في هذا البحث قليل الجدوى، بل مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه، وإن طالت ذيولها، وتفرق الناس فيها فرقا، وامتحن بها من امتحن، من أهل العلم وظن من ظن أنها من أعظم مسائل أصول الدين، ليس لها  كبير فائدة، بل هي من فضول العلم، ولهذا صان الله سلف هذه الأمة من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم عن التكلم فيها.”[38]

ثانيا: الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟

أ: الخلاف الأصولي في هذه المسألة

  اتفق المعتزلة على أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده، والنهي عن الشيء ليس أمرا بضده، وذلك لنفيهم الكلام النفسي. قال أبو الحسين البصري:” ذهب قوم إلى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وخالفهم آخرون على ذلك، وإليه ذهب قاضي القضاة وأصحابنا، والخلاف في ذلك إما في الاسم وإما في المعنى، فالخلاف في الاسم أن يسموا الأمر نهيا على الحقيقة، وهذا باطل لأن أهل اللغة فصلوا بين الأمر والنهي في الاسم، وسموا هذا أمرا، وسموا هذا نهيا، ولم يستعملوا اسم النهي في الأمر، فإن استعملوه فيه فقليل نادر.”[39]

فالكلام عندهم أصوات وحروف يخلقها الله في غيره، كما أن الأمر أصوات منظومة معلومة مغايرة للنهي، فقول القائل:”افعل” هو عبارة عن أصوات منظومة ليست نفس نظم الأصوات في قوله:”لا تفعل” وبالتالي فالأمر غير النهي.[40]

أما جمهور الأصوليين من الأشاعرة فاعتبروا أن الأمر بالشيء المعين نهي عن ضده سواء كان الضد واحدا كما إذا أمره بالإيمان فإنه يكون نهيا عن الكفر، وإذا أمره بالحركة فإنه يكون نهيا عن السكون، أو كان الضد متعددا كما إذا أمره بالقيام فإنه يكون نهيا عن القعود والاضطجاع والسجود وغير ذلك. قال عضد الدين الإيجي:” كلامه واحد عندنا لما مر في القدرة، وانقسامه إلى الأمر والنهي والاستفهام والخبر بحسب التعلق.”[41]

وخالف الجويني مذهب الجمهور معتبرا أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن الضد، ولا يقتضيه عقلا. قال رحمه:” ونحن نقول: أما من قال إن الأمر هو النهي بعينه فقوله عري عن التحصيل فإن القول القائم بالنفس الذي يعبر عنه ب: “افعل” مغاير للقول الذي يعبر عنه ب:”لا تفعل” ومن جحد هذا سقطت مكالمته وعد مباهتا، وهذا القدر كاف في إسقاط هذا المذهب.”[42]

أما الإمام الغزالي رحمه الله فقد فصل بين الصيغة وبين المعنى القائم بالنفس، مؤكدا أن للمسألة طرفان:

  • أحدهما: يتعلق بالصيغة فلا شك في أن قوله قُمْ غير قوله لا تقعد، فإنهما صورتان مختلفتان.
  • والثاني: البحث عن المعنى القائم بالنفس وهو أن طلب القيام هل هو بعينه طلب ترك القعود أم لا؟ وهذا لا يمكن فرضه في حق الله تعالى فإن كلامه واحد هو أمر ونهي ووعد ووعيد فلا تتطرق الغيرية إليه.[43]

تبين من خلال ما سبق أن جوهر الخلاف بين الفريقين مرده إلى إثبات صفة الكلام النفسي لله تعالى، فالمعتزلة لم يثبتوا لله تعالى كلاما نفسيا لأن ذلك يفضي إلى القول بتعدد القدماء أو حدوث الخالق، وتبعا لذلك فالأمر والنهي عندهم أصوات منظومة معلومة حادثة مباينة في الصيغة والدلالة وهي: افعل ولا تفعل، أما الأشاعرة فالأمر والنهي والخبر والاستخبار كل هذه المعاني وإن تغايرت بحسب التعلق فإنها تعود عندهم لحقيقة واحدة، وهي صفة الكلام القائمة بذاته سبحانه، وهي صفة نفسية، واتصاف كلامه بكونه أمرا ونهيا بمثابة اتصاف الكون الواحد بكونه قريبا من شيء بعيدا عن غيره.

ب: الثمرة الفقهية لهذا الخلاف

من بين مسائل الفقه المتفرعة عن هذا الخلاف تباين فقهاء المذاهب في الرجل الذي قال لزوجه: إن خالفت نهيي فأنت طالق، فقال لها: قومي، فقعدت. هل يقع طلاقه أم لا يقع؟

قال الغزالي رحمه الله: لو قال: إن خالفت أمري فأنت طالق، ثم قال: لا تكلمي زيدا، فكلمت. قالوا: لا يقع، لأنها خالفت النهى دون الأمر. ولو قال: إن خالفت نهيي، ثم قال: قومي، فقعدت. قالوا: وقع، لأن الأمر بالشيء نهي عن أضداده.” وعلق الغزالي رحمه الله على هذه المسألة بقوله: “وهذا فاسد إذ ليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده فيما نختاره، وإن كان فاليمين لا يبنى عليه بل على اللغة أو العرف.[44]

   وذكر ابن عباس الحنبلي أن المسألة اختلف فيها على ثلاثة أقوال:

  • أحدها: تطلق، لأن النهي عن الشيء أمر بضده، فإذا خالفته وفعلت المنهي عنه فقد تركت مشروع المأمور به.
  • والثاني: لا تطلق تمسكا بصريح لفظه، فإنه إنما علق طلاقها على مخالفتها أمره، وهي إنما خالفت نهيه، ولعل القائل بهذا يرى أن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده.
  • والثالث: إن كان الحالف عارفا بحقيقة الأمر والنهي لم يحنث، وإلا حنث ولعل هذا أقرب إلى الفقه والتحقيق.[45]

ثالثا:  تكليف المعدوم

أ: الخلاف في المسألة

يرى المعتزلة أن المعدوم غير مكلف، وذلك لاعتراضهم على إثبات صفة الكلام الأزلي، يقول أبو الحسين البصري” نقول إن الله يأمر المعدوم بشرط أن يوجد، ونعني به أن الأمر الذي صدر من الله تعالى أمر له عند وجوده أو إذا وجد.”[46] وذلك قياسا على النائم والمجنون، فإذا امتنع تكليف النائم والغافل امتنع تكليف المعدوم بالأولى، بل هو أسوأ حالا  من عدم تكليف الصبي والمجنون والغافل والسكران لعدم الفهم للتكاليف لوجود أصل الفهم في حقهم، وعدمه بالكلية في حق المعدوم.[47] وعلى افتراض تعلق الخطاب بالمعدوم فيلزم أن يكون الأمر والنهي والخبر والنداء والاستخبار من غير متعلق موجود، وهو محال.[48]

والقول بعدم تكليف المعدوم يتساوق مع مذهبهم في الحسن والقبح العقليين بناءً على أن الأمر عبارة عن إلزام الفعل، وفي إلزام الفعل من غير وجود المأمور عبث، فإن من جلس في الدار يأمر وينهي من غير حضور مأمور ومنهي عد سفيها مجنونا، وذلك على الله محال.[49]

فاقتضى ذلك أن لا يكون كلامه موجودا إلا عند خطابه، وهناك من وافق المعتزلة في هذه الرؤية ومن بينهم الإمام الجويني في البرهان، حيث قال: “وانتهى الأمر إلى انكفاف طائفة من الأصحاب عن هذا المذهب، وقد سبق القلانسي رحمه الله من قدماء الأصحاب إلى هذا، وقال: كلام الباري تعالى في الأزل لا يتصف بكونه أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا، وإنما يثبت له هذه الصفات فيما لا يزال عند وجود المخاطبين.”[50] ونسبه ابن السبكي لسائر الفرق، يقول:”وأما سائر الفرق فقد أنكروه وعظموا النكير على شيخنا أبي الحسن.”[51]

و على النقيض من ذلك فالأشاعرة يرون أن كلام الله تعالى الأزلي يوصف بكونه أمرا ونهيا وخبرا، والمعدوم مكلف على تقدير الوجود، وليس المراد بتكليفه أن الفعل أو الفهم مطلوبان منه حال عدمه فإن بطلان هذا معلوم ضرورة، بل يقصد به التعلق العقلي أي توجه الحكم في الأزل إلى من علم الله وجوده مستجمعا شرائط التكليف ومما احتجوا به، أذكر:

  • لو لم يتعلق التكليف بالمعدوم لم يكن التكليف أزليا لأن توقفه على الوجود الحادث مما يستلزم كونه حادثا، واللازم باطل فالملزوم مثله، ومثال ذلك: الوالد لو أوصى عند موته لمن سيوجد بعده من أولاده بوصية، فإن الولد بتقدير وجوده وفهمه يصير مكلفا بوصية والده حتى أنه يوصف بالطاعة والعصيان بتقدير المخالفة والامتثال.[52]
  • من العبث أن يتكلم الإنسان بكلامه اللساني وليس هناك من يسمعه، ونحن نقول بكلام النفس الأزلي، والكلام يكون عبثا إذا خلا عن الفائدة أما انفراد المتكلم به فلا يوجب ذلك. وكلام الله منفردا بوحدانيته دون وجود مخاطب فيه فوائد، منها: أنه ثبت له استحقاق صفة الكلام في الأزل، ومنها: أنه يثبت له تحقيق العلم بأحوال المصنوعات من خلقه.[53]
  • إجماع الأمة على أن الله سبحانه أمر أمة محمد بهذه العبادات، ودخل فيها من كان موجودا فى تلك الحال ومن كان غير موجود فى تلك الحال، فإن من وجد بعدهم ما أمروا بأمر آخر بل هم مأمورون بالأمر الذى أمر به النبى  وأصحابه.[54]

وذهب بعض الفقهاء كما حكاه القاضي في مختصر التقريب إلى أن الأمر قبل وجود المأمور أمر إنذار وإعلام وليس بأمر إيجاب.[55] وهو ما رفضه الباقلاني رحمه الله ، إذ يقول :”والصحيح عندنا أنه يجوز أمره، وأنه مأمور على الحقيقة، وأن أمره أمر إيجاب بإلزام على الحقيقة بشرط وجوده وكونه على صفة من يصح تكليفه. وأنه لا يجوز أن يكون أمره أمر إنذار بإعلام له بأنه مأمور، لأنه لا يصح إنذاره.”[56]

تبين مما سبق أن الخلاف في تكليف المعدوم مبني على الخلاف في مسألة كلام الله تعالى، فمن رأى أن كلام الله أزلي أثبته، ومن رأى أنه مخلوق مرتبط بوجود المخاطب أنكره، قال إمام الحرمين:” وهذه المسألة إنما رسمت لسؤال المعتزلة، إذ قالوا لو كان الكلام أزليا لكان أمرا، ولو كان أمرا لتعلق بالمخاطب حال عدمه.”[57]

ب: الثمرة الفقهية لهذا الخلاف

من خلال بحثي في المصنفات الأصولية تبين لي أن هذه المسألة مرتبطة بعلم الكلام أكثر من أصول الفقه إذ لا ينبني عليها حكم فقهي عملي،  وهذا ما أشار له كل من الآمدي والشوكاني إذ ألزما الأصولي أن يقلد المتكلم فيها، يقول الآمدي:” وقد حققنا ذلك في الكلاميات بما يجب على الأصولي تقليد المتكلم فيه.”[58] وتبعه الشوكاني بقوله “وهذا البحث يتوقف على مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه وهي مقررة في علم الكلام”[59]

أما أبو الخطاب الحنبلي فيرى أن ثمرتها الفقهية تتجلى في قوة لزوم خطاب الشارع، فإذا احتج الآن علينا بآية أو خبر لزمنا على الحد الذي كان يلزمنا لو كنا في عصر النبي  موجودين، وعند المعتزلة لا يلزمنا ذلك إلا بدليل، إما أن نقيس على ما كان في عصر النبي  لاشتراكهما في العلة، أو غيره.[60]

خاتمة:

ما من شك أن المزج بين علمي الكلام وأصول الفقه قد أحدث تغييرا جذريا في بنية هذا العلم، فإذا كان منهج الأصوليين السابق مقتصرا على استقراء النصوص وقوانين اللغة فإن المتكلمين قاموا بنقلة نوعية بإضافتهم قوانين المنطق ومباحث اللغة وقضايا علم الكلام، مما جعل بنية هذا العلم أكثر غنى ونضجا وشمولا.

كما أنه أصبح ميدانا رحبا للمناقشة العلمية الرصينة بعرض أدلة الخصوم ومناقشتها، فحيثما نشرع في تفحص كتاب أصولي متقدم إلا ونجده غاصا بآراء الخصوم واستدلالاتهم ومناقشة هذه الاستدلالات، وهذا ما جعل كتب الأصوليين تبدو كأنها كتب في أصول الفقه المقارن.

لكن هذا التداخل بين الحقلين المعرفيين بقدر ما أحدث من إيجابيات أحدث قدرا آخر من السلبيات ظلت لصيقة بهذا العلم، الأمر الذي دفع إلى الدعوة لتجريد علم أصول الفقه من المباحث الكلامية التي ظل أسيرا لها ردحا من الزمن والاهتمام بالجانب العلمي من أصول الفقه، ذلك أن أسلوب الفنقلة الذي درج المتكلمون على استعماله في كتبهم أسلوب جدلي افتراضي حجاجي أنتج كثرة  في الافتراضات لا صلة لها بالواقع  وإسهابا لامتناهيا في بسط الأدلة ومناقشتها، وهذا ما جعل مؤلفاتهم الأصولية تظهر وكأنها تعالج مسائل فلسفية لا صلة لها بالفقه وتطبيقاته.

وإذا كانت هذه المدرسة قد نجحت في درء التعصب المذهبي الفقهي في الفروع فإنها بالمقابل جعلت علم أصول الفقه ميدانا خصبا للخصومات الفكرية والمذهبية الكلامية، خصوصا بين المعتزلة والأشاعرة رغم انتمائهم أحيانا كثيرة إلى مذهب فقهي واحد، خصوصا المذهب الشافعي.

العدد 28 من مجلة الإحياء، يناير 2021م.

 

[1]   علي بن سعد الضويحي ، آراء المعتزلية الأصولية، مكتبة الرشد، الرياض، ط:1/ 1995م، ص:95

[2]  عبد القاهر بن طاهر البغدادي، (المتوفى: 429هـ) الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط:3/1977م، ص:114.

[3] أبو الحسين البصري، (المتوفى:436هـ) المعتمد في أصول الفقه، تحقيق:خليل الميس، دار الكتب العلمية بيروت، ط:1/1403هـ، ج:2، ص: 244.

[4] أبو الفرج ابن النديم (المتوفى:438هـ) الفهرست، تحقيق: إبراهيم رمضان، دار المعرفة بيروت،ط:2/ 1417هـ، (ص:39)

[5] أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج:1 ص:71 – ج:1 ص:111- ج: 1 ص:125- ج: 1 ص:185

[6] أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر (المتوفى:571هـ)، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، دار الكتاب العربي، بيروت،ط:3/ 1404هـ، ص: 34

[7] أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (المتوفى: 324هـ)، مقالات الإسلاميين، ت: هيلموت ريتر، د إحياء التراث العربي بيروت، ط:1/ 1426هـ 2005م، ص: 198

[8] أبو بكر محمد بن أحمد السمرقندي (المتوفى: 539 هـ) ميزان الأصول في نتائج العقول، تحقيق محمد زكي عبد البر، مطبعة الدوحة الحديثة، قطر، ط:1/1404هـ 1984م،  ج:1، ص: 97

[9] مصطفى عبد الرزاق ، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة،ط:3/ 1966م، ص:249.

[10] بدر الدين الزركشي(المتوفى: 794هـ) البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتبي، القاهرة، ط:1/1414هـ 1994م، ص:6

[11] أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بيروت،ط:1/ 1992م، ص:37

 [12] قطب مصطفى سانو، المتكلمون وأصول الفقه، مجلة إسلامية المعرفة ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي بيروت، ع: 9 س: 3  ص: 8

[13]  إبراهيم بن موسى الشاطبي (المتوفى: 790هـ) الموافقات في أصول الشريعة، ت: أبو عبيدة مشهور، دار ابن عفان،ط:1/ 1997م، ج 4/ ص: 128

[14] محمد أبو زهرة (المتوفى: 1394هـ)، أصول الفقه، دار الفكر العربي، بيروت، ، ص: 17- 19

[15]نظرية النقد الأصولي عند الإمام الشاطبي، الحسان الشاهد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي فيرجينيا الولايات المتحدة الأمريكية، ط:1/ 2012م، ص: 87

قطب مصطفى سانو، المتكلمون وأصول الفقه ص: 12[16]

[17]  علاء الدين الحنفي، ميزان الأصول في نتائج العقول (ت: 539 هـ) ت: محمد زكي عبد البر، مطابع الدوحة الحديثة قطر،ط:1/ 1404 هـ ، (ج:1/ ص:2)

[18]أبو حامد الغزالي (المتوفى: 505هـ)، المستصفى في علم الأصول، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، ، دار الكتب العلمية، بيروت،ط:1/ 1413م،  ص: 9

[19] نجم الدين الطوفي، شرح مختصر الروضة (المتوفى : 716هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة،بيروت، ط:1/1407هـ1987م، ج:3،ص:37

[20]أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفراييني، (المتوفى:471هـ) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب بيروت، ط:1/1403هـ 1983م، ص: 40-41.

[21] أحمد بن مصطفى بن خليل طاشْ كُبْرى زَادَهْ (المتوفى: 968هـ) مفتاح السعادة ومصباح دار السيادة، دار الكتب العلمية، بيروت،ط:1/ 1405هـ1985م، ج: 2، ص:32

[22] عبد الجبار أبو الحسين بن أحمد المعتزلي (المتوفى:415هـ) المغني في أبواب التوحيد والعدل، ت: محمد الخضري، الديار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، ج:7ص:3

[23] عبد الجبار المعتزلي، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج:7ص:3

[24] أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجهاد، باب: السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، رقم: 2990، ج:4، ص:56، ت: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة بيروت،ط:1/ 1422هـ،  والإمام مسلم في كتاب: الإمارة، باب: النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم رقم: 1869،ج3، ص: 1490 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، د إحياء التراث العربي.

[25] عبد الجبار المعتزلي، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج:7ص:3

[26] طاش كبرى زاده، مفتاح السعادة، ج: 2،ص:21

[27]  أبو منصور الماتريدي (ت:333هـ)، التوحيد، ت فتح الله خليف، دار الجامعات المصرية الإسكندرية، ص:58 – 59.

[28] أبو الحسن الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق: فوقية حسين محمود، دار الأنصار القاهرة،ط:1/1397هـ، ص: 23

[29] عبد الملك الجويني (المتوفى:478هـ) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الإعتقاد، تحقيق: أسعد تميم، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت،ط:1/ 1985م، ص: 109

[30] عضد الدين الإيجي، المواقف، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، دار الجيل بيروت،ط:1/1997م، ج:3،ص:129

[31] أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج:2، ص: 404.

[32] فخر الدين الرازي، (توفي606هـ) المحصول في علم الأصول، تحقيق: طه جابر فياض العلواني مؤسسة الرسالة بيروت،ط:3/ 1418هـ، ج:1، ص:89

[33] أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج:2، ص: 404.

[34]  فخر الدين الرازي ، المحصول في علم الأصول، ج:1، ص:89

[35]  المصدر نفسه، ج:1، ص:110

 [36] تقي الدين ابن السبكي (المتوفى:756هـ) الإبهاج في شرح المنهاج، دارالكتب العلمية بيروت، 1416هـ 1995م، ج:1،ص:45

[37] عبد الرحيم الإسنوي (المتوفى:772هـ) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة بيروت،ط:1/ 1400هـ، ص:48.

[38] الشوكاني محمد بن علي (المتوفى: 1250هـ) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق: أبو مصعب محمد سعيد البدري، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط:6/1995م، ج:1، ص:39

[39] أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج:1، ص:97-98

[40] عبد الملك الجويني (المتوفى:478هـ) البرهان في أصول الفقه، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية بيروت،ط:1/ 1418هـ، ج:1،ص: 279

[41] الإيجي، المواقف،ج: 3،ص:131

[42] الجويني، البرهان في أصول الفقه،ج:1ص:83

[43] الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ص:65

[44] الغزالي أبو حامد(المتوفى 505هـ) الوسيط في المذهب، تحقيق: أحمد إبراهيم و محمد تامر، دار السلام القاهرة،ط:1/ 1417هـ، ج:5،ص:452

[45] علي بن عباس البعلي ابن اللحام (ت:803هـ)، القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام، تحقيق: عبد الكريم الفضيلي، المكتبة العصرية بيروت، ط:1/1420 هـ – 1999 م، ص:183- 185

[46] أبو الحسين البصري، المعتمد، ج:1، ص:140

[47] علي بن محمد الآمدي (المتوفى: 631هـ)،الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق :سيد الجميلي،  د: الكتاب العربي بيروت، ط:1/ 1404هـ ،ج:1، ص:202

[48] الشوكاني، إرشاد الفحول،ج:1،ص:10

[49] فخر الدين الرازي ، المحصول في علم الأصول، ج:2، ص:431

[50] الجويني، البرهان في أصول الفقه،ج:1، ص:191

[51] ابن السبكي، الإبهاج، ج:1،ص:151

[52] الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج: 1،ص:202

[53] المصدر نفسه، ج: 1،ص:202

[54] آل تيمية، المسودة في أصول الفقه، تحقيق:  محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي بيروت، ج:1،ص:39.

[55] أبو بكر الباقلاني (المتوفى:403هـ)، مختصر التقريب والإرشاد، تحقيق: عبد الحميد بن علي أبو زنيد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ج:2،ص:298

[56] الباقلاني، مختصر التقريب والإرشاد (2/ 298)

[57] الجويني البرهان في أصول الفقه،ج:1، ص:274

[58] الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج: 1،ص:202

[59] الشوكاني، إرشاد الفحول،ج:1،ص:10

[60] أبو الخطاب الكلوذاني (المتوفى: 510 هـ)، التمهيد في أصول الفقه، تحقيق: مفيد محمد أبو عمشة، ، دار المدني مكة المكرمة ،ط:1/ 1406 هـ – 1985 م،ج:1،ص:353.

Leave A Reply

Your email address will not be published.